جذب فلوري الشاب بعيدا، وقال: «هل تتحدث الإنجليزية؟ أخبر ما هلا ماي أنني سأنظر هذا الأمر لاحقا. وأخبرها أنها إذا حاولت ابتزازي لن تحصل مني على بيسة أخرى. هل فهمت؟» «نعم يا سيدي.» «والآن ارحل بعيدا. ولا تتبعني وإلا ستقع في مشكلة.» «حسنا يا سيدي.»
قال فلوري لإليزابيث وهما يصعدان السلم، مفسرا: «إنه كاتب يريد وظيفة. إنهم يأتون لإزعاجنا طوال الوقت.» رأى أن نبرة الخطاب كانت غريبة، إذ لم يتوقع أن تبدأ ما هلا ماي ابتزازه بهذه السرعة؛ بيد أنه لم يكن لديه وقت عندئذ ليتساءل عما قد يعنيه الأمر.
دخلا المتجر الذي بدا مظلما بعد الأجواء الخارجية؛ حيث جلس لي ييك يدخن بين سلال بضائعه - لم يكن هناك طاولة بيع - وتقدم وهو يعرج متحمسا حين رأى من دخل، فقد كان فلوري صديقا له. كان لي ييك رجلا عجوزا منحني الركبتين بزي أزرق، وشعر جمع في ضفيرة، ووجه أصفر بلا ذقن، نتئت عظام وجنتيه مثل جمجمة لكن أليفة. وقد حيا فلوري بأصوات عالية أنفية أراد بها أن يتحدث البورمية، وفي الحال عرج إلى مؤخرة المتجر لطلب المرطبات. عبق المكان برائحة أفيون هادئة حلوة. ولصق على الجدران شرائط طويلة من الورق الأحمر عليها حروف سوداء، وقام في أحد الجوانب مذبح صغير به صورة لشخصين ضخمين في ردائين مطرزين، بدت عليهما السكينة، فيما احترق أمامه عودان من البخور. وجلس على البساط امرأتان صينيتان، إحداهما عجوز والأخرى فتاة، تلفان سجائر بقش ذرة وتبغ يبدوان مثل قصاقيص شعر حصان. وكانتا ترتديان سروالين أسودين من الحرير، وقد حشرت أقدامهما التي انتفخت أمشاطها وتورمت في أخفاف خشبية ذات كعوب حمراء لا يزيد حجمها عن حجم خف دمية. وجعل طفل عار يزحف بطيئا على الأرض مثل ضفدعة صفراء ضخمة.
همست إليزابيث بمجرد أن أدار لي ييك ظهره: «انظر إلى قدمي تينك المرأتين! أليس هذا غاية في الفظاعة! كيف يجعلن أقدامهن هكذا؟ إنه ليس أمرا طبيعيا بالتأكيد؟» «لا، إنهن يشوهنها عمدا. إنها عادة في طريقها للزوال في الصين، لكن الناس هنا متخلفون عن الحاضر. ضفيرة لي ييكي العجوز أيضا عفى عليها الدهر. تلك الأقدام الصغيرة تعد جميلة وفقا لآراء صينية.» «جميلة! إنها في غاية البشاعة حتى إنني لا أقوى على النظر إليها. من المؤكد أن هؤلاء الناس همجيون تماما.» «كلا! إنهم متحضرون للغاية؛ في رأيي أكثر تحضرا منا. فالجمال إنما هو مسألة أذواق. يوجد في هذا البلد جماعة تدعى البالونج يحبون في النساء العنق الطويل. لذلك ترتدي الفتيات حلقات نحاسية لإطالة أعناقهن، ويرتدين المزيد والمزيد منها حتى تصير أعناقهن مثل أعناق الزراف في النهاية. وهذا ليس أغرب شأنا من الأرداف المستعارة أو التنورات المنتفخة.»
في هذه اللحظة عاد لي ييك بفتاتين بورميتين سمينتين بوجهين مستديرين، شقيقتان على ما يبدو، تضحكان وتحملان مقعدين وإبريق شاي صينيا أزرق سعة نصف جالون. الفتاتان هما جاريتان لدى لي ييك أو كانتا كذلك. أخرج الرجل العجوز علبة شوكولاتة من الصفيح ونزع الغطاء هو يبتسم ابتسامة أبوية كاشفا عن ثلاث أسنان طوال سودها التبغ. جلست إليزابيث بحالة مزاجية مرتبكة بشدة. كانت واثقة تماما أن قبول كرم ضيافة هؤلاء الناس لا يمكن أن يكون شيئا صحيحا. في الحال ذهبت إحدى الفتاتين البورميتين خلف المقعدين وشرعت تهوي على فلوري وإليزابيث، بينما جثت الأخرى عند أقدامهما وصبت فناجين الشاي. شعرت إليزابيث بحرج بالغ والفتاة تهوي على قفاها والرجل الصيني يبتسم قبالتها. بدا أن فلوري دائما ما يضعها في هذه المواقف الحرجة. أخذت قطعة شوكولاتة من العلبة التي قدمها لها لي ييك، لكن لم تطاوعها نفسها على أن تقول «شكرا».
ثم همست لفلوري: «هل هذا يصح؟» «يصح؟» «أقصد هل يجوز لنا الجلوس في منزل هؤلاء الناس؟ أليس هذا نوعا ... نوعا من النزول من قدرنا؟» «لا بأس بهذا مع الصينيين. فإنهم من الأعراق المفضلة في هذا البلد. وإنهم متواضعون جدا في أفكارهم. فالأفضل أن تعامليهم كأنهم نوعا ما أنداد.» «هذا الشاي يبدو في غاية البشاعة. إنه أخضر تماما. أعتقد أنه لا بد أن يكون لديهم تمييز ويضيفوا له حليبا، أليس كذلك؟» «إنه ليس سيئا. فهو نوع خاص من الشاي يأتي به لي ييك العجوز من الصين. أعتقد أن به أزهار برتقال.»
قالت بعد أن تذوقته: «أف! مذاقه مثل التراب تماما.»
وقف لي ييك ممسكا بغليونه، الذي كان طوله قدمين بوعاء معدني في حجم جوزة البلوط، وهو يشاهد الأوروبيين ليرى ما إذا كانا استمتعا بشايه. قالت الفتاة الواقفة خلف المقعد شيئا بالبورمية، فانفجرت كلتاهما ضحكا عليه مرة أخرى. رفعت الفتاة الجاثية على الأرض ناظريها إلى إليزابيث وحدقت فيها ببلاهة وإعجاب. ثم التفتت إلى فلوري وسألته ما إذا كانت السيدة الإنجليزية ترتدي مشدا وقد أخطأت في نطق الكلمة الإنجليزية.
قال لي ييك مصدوما: «صه!» وهو يهز الفتاة بإصبع قدمه ليسكتها.
قال فلوري: «هذا أمر لا يعنيني البتة لأسألها عنه.» «فلتسألها أرجوك يا سيدي! إننا في غاية اللهفة لنعرف!»
অজানা পৃষ্ঠা