استيقظت مبكرا فشاهدت الحمام يحلق في الجو غاديا رائحا، يطير تارة على محيط دائرة، وطورا على خط مستقيم، ولا أشبه حركاته وجولاته إلا بالجولات العسكرية التي لا يحسنها الجندي إلا بعد أن يقطع شوطا بعيدا، وأمدا مديدا من حياته في المدارس الحربية، والتعاليم الجندية، وآنست الحمامات السود والحمر مزدوجات، وهن في اللعب متحدات، فلا أثر للتعصب اللوني عند الحمامات، وقد احتدم وطيس العصبية بين السود والبيض في البلاد الأمريكية.
فما أجهل الإنسان! يتعصب للألوان، وما أضله عن نفسه، وأبعده عن إدراك حقيقة جنسه!
المذكرة الخامسة: الفلك والمراصد والعدل
إن رجال الفلك في المراصد يرصدون الكواكب كوكبا كوكبا وهي تمر بين الشعرتين المتقاطعتين في آلة الرصد، فهم بذلك يعدلون ساعاتهم. إن لهم لساعات منظمة «كرونومتر»، ولكنها ليست في درجة نظام سير الكواكب، فتارة تتأخر وتارة تتقدم، ولكن للكواكب مواعيد معلومة، وأوقات مدونة، فإذا مرت بمراصدهم دونوا أوقات مرورها، ثم علموا ما بساعاتهم من التأخير والتقديم.
لم ذلك، ليضبطوا مواعيد الأعمال الإنسانية وسير القطار، وسفن البحار، وأعمال البخار، بحيث لا يخطئون في دقيقة ولا ثانية، وأمامهم في ذلك سير الكواكب المنظم.
أليس عجيبا ذلك، أليس من المدهش أن سير الكواكب لا خلل فيه مقدار ثانية، ولا أقل منها، ثم جعلنا نظام أعمالنا مرتبا عليها بحيث لو اختلت أوقاتنا كان الخلل في أعمالنا، أفلا ينظم أهل السياسة أعمالهم على وفاق نظام العالم، نظام النواميس الطبيعية، نظام العقول الإنسانية، ألا إن أرقى الناموس في الإنسانية أن يستخرج القوى الكامنة في عقول جميع نوع الإنسان، وكما أن نظام المسير في الأرض تابع لنظام الكواكب المرصودة فهكذا فليكن نظام العدل مقيسا بنظام صفوة العقول، فلا ظلم ولا جشع.
ولقد قلت ذلك لأحد أصحابي فقال لي: عجبت لك، وفي أي زمن ارتقى سائر العالم؟! وهل في الناس استعداد لإصلاح شئونهم بحيث لا يظلمون ولا يظلمون؟! فقلت: إن عقل الإنسان ليسع النقص والكمال كما تسعهما المادة، إن كثيرا من قواه العقلية والجسمية تذهب سدى، وهكذا سائر النباتات والحيوان قد تخلق وتذهب بلا فائدة ظاهرة.
إن الإنسان غافل عن أكثر المنافع في نفسه والآفاق، وها هو يستخرج منافع العالم، دائما بالاكتشافات، وقد آن الأوان أن يستخرج مواهبه العقلية فيعيش بسلام.
المذكرة السادسة: الشرق والغرب
الإنسان مسكين كئيب، لا يرى إلا ما أمامه ولا يعرف العواقب، وها هم أهل الشرق الأقصى ظهروا وبهروا، وها هم أهل الغرب راقون، ولكن بعضهم يسيء الأمم القاطنة بينهما، ويزرعون في عقولهم مزارع العداوة والبغضاء، ويا ويحهم، لقد جهلوا أن سنة الترقي ستشملهم، ولن يصدها صاد.
অজানা পৃষ্ঠা