105

আইনা ইনসান

أين الإنسان

জনগুলি

ولأذكر لكم سقراط إذ نبذ الرذيلة وعشق الفضيلة، وقال: يا قوم، إياكم والظلم؛ فإنه ظلمات، وكونوا صالحين إلى الممات، إنما الحياة الدنيا متاع. فكذب الطاغون الثلاثون، وأجمعوا أمرهم بينهم أن يقتلوه، فشاع ذكره في الآفاق، وعم علمه العباد والبلاد، وانتشر تلاميذه وشاع تعليمه في الآخرين، ولقد قفى على آثاره بعد موته بمائة سنة أبيقورس اليوناني الذي كان في القرن الرابع قبل الميلاد، ولد سنة 342، وأوصى قومه بالمحبة وقال: إن المحبة العامة كنز ثمين، فالحب عندي مبدأ السعادات، وإن الحياة لشقاء، ولا يكشف غمها إلا الأحباب المخلصون.

وهاك العالم الإفرنجي دلامتري في القرن الثامن عشر، المولود سنة 1709، إذ قال: لا تتبعوا خطوات الشهوات، واعلموا أن الذين يتبعون الشهوات مرضى، فداووهم بعلم الأخلاق، واضربوا لهم الأمثال لعلهم يعقلون.

ثم قام من بعدهم البارون هلباخ من الألمانيين، إذ ولد سنة 1723 وألف كتاب نظام الطبيعة سنة 1771، وقد كان للفقراء من المحسنين، كثير الحب للعلماء، غزير العلم، عالي الهمة، نظر إلى الإنسان نظر الرجل إلى الصبيان وقال: يا أهل أوروبا، إن شقاء الإنسان لجهله بما طبع عليه من الجمال وما في هذا الكون من المخلوقات، فحرروا عقولكم من الأوهام وخلصوا أنفسكم من ظلمات الجهالات، وابحثوا عن عقولكم الشريفة وقواكم العالية، إن الإنسان لفي ضلال مبين. سيعيش الناس على الأرض أشقياء ما داموا يجهلون نفوسهم. إن الإنسان جهول كذوب، وضل عقله وغوى، واتبع الهوى، وصنع المدافع المهلكة والأسلحة القاتلة، وعلمه الجهال أن هذا سعادة الإنسان، ألا إنكم لفي عذاب مهين.

ولقد أجاد في القسم السياسي من كتابه، وكان من أسباب الثورة الفرنسية الكبرى، وقال فيه: يا أيها الناس، إنما المعاصي الظاهرة، والحروب القائمة، والشرور العامة في هذا الإنسان، ليست من طبيعته ولا من أصل جبلته، وإنما أركسهم في سجين تلك الشرور الحكومات الظالمة وبعض الديانات المنحرفة وأمثلة الشر المنصوبة أمام أعينهم.

إن أكثر الحكومات ترفع الكبير إذا ظلم، وتعفو عنه إذا اقترف الموبقات، ولا ترحم الصغير إذا ارتكب أصغر الذنوب، فلا قانون يجمع الغني والفقير والعظيم والحقير.

جهل الناس أمر القضاء، فخصوا به الضعفاء وعفوا عن الأقوياء، وتناقضوا في قضاياه، يحللون ما يحرمون، ويحرمون ما يحللون، فهم يقتلون الصعلوك إذا جنى، ويعظمون السري الظالم إذا ما فعل فعل ذلك الصعلوك. قتل الإنسان إنه لظلوم جهول. وما الفضيلة إلا هبة في الهواء وسهم عندكم طائش وهباء منثور، وما معلم الفضيلة لهؤلاء إلا كنافخ في غير ضرم ومستسمن ذا ورم، أو كمن يفضض البعرات ويجصص قبور الأموات، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون من التربية السيئة وقدوة الشر.

ألا وإن رجال الفضيلة يتخطفهم هذا المجتمع الفاسد من عن أيمانهم وعن شمائلهم، فهم كجذوة نار في جو بارد. إن جذوة النار في البرد لا محالة ذاهبة خامدة، فماذا يفعل المصلحون، ولقد تقتل الحكومات من عملوا عملا سيئا لعقيدة فاسدة أيدتها تلك الحكومات بحماية أولئك الحاكمين، إن الإنسان لظلوم كفار. هذا هو نبأ هلباخ ولقد مات سنة 1789 في باريس، ولقد كان ممن عاصره العالم هلفتيوس. كان أبواه ألمانيين وولد بباريس. قال: إياك واضطراب الفؤاد، وإن أردت السعادة فلتكن نفسك مطمئنة؛ فالاضطراب شقاء، والطمأنينة نهاية السعادة.

وما عدا ذلك من تعاليمه في الأخلاق فإن فيها شططا يأباه نظام الكون وفطرة الإنسان.

أولئك العلماء ممن ذكرنا وممن لم نذكر حضوا أممهم على الفضيلة وإسعاد الناس، فمنهم المقصر ومنهم السابق، ومن عجيب أنهم في المادة والروح والعالم الأعلى مختلفون.

واتفقت كلمتهم واتحد رأيهم على تقبيح الرذيلة وتقديس الفضيلة، ولكن أكثر الناس غافلون. هذا ذكر بعض الرحماء من الأمم الغربية، وأكثر الناس عن البحث والفقه معرضون.

অজানা পৃষ্ঠা