ألا تراهم قد اختاروا ما هو أقبح على ما هو أحسن من الأسماء والصناعات، ومن المنازل والديارات، من غير أن يكونوا خدعوا أو استكرهوا.
ولو اجتمعوا على اختيار ما هو أرفع، ورفض ما هو أوضع من اسم أو كنية، وفي تجارة وصناعة، ومن شهوة وهمة، لذهبت المعاملات، وبطل التمييز، ولوقع التجاذب والتغالب، ثم التحارب، ولصاروا غرضا للتفاني، وأكلة للبوار.
فالحمد لله أكثر الحمد وأطيبه على نعمه، ما ظهر منها وما بطن، وما جهل منها وما علم!
ذكر الله تعالى الديار فخبر عن موقعها من قلوب عباده، فقال: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم. فسوى بين موقع قتل أنفسهم وبين الخروج من ديارهم. وقال: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا . فسوى بين موقع الخروج من ديارهم وبين موقع هلاك أبنائهم.
فصل منه:- فقسم الله تعالى المصالح بين المقام والظعن، وبين الغربة وإلف الوطن، وبين ما هو أربح وأرفع، حين جعل مجاري الأرزاق مع الحركة والطلب. وأكثر ذلك ما كان مع طول الاغتراب، والبعد في المسافة، ليفيدك الأمور، فيمكن الاختبار ويحسن الاختيار.
والعقل المولود متناهي الحدود، وعقل التجارب لا يوقف منه على حد. ألا ترى أن الله لم يجعل إلف الوطن عليهم مفترضا، وقيدا مصمتا، ولم يجعل كفاياتهم مقصورة عليهم، محتسبة لهم في أوطانهم؟ ألا تراه يقول: فاقرؤا ما تيسر من القرآن، علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله . فقسم الحاجات فجعل أكثرها في البعد. وقال عز ذكره: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله فأخرج الكلام والإطلاق على مخرج العموم، فلم يخص أرضا دون أرض، ولا قربا دون بعد.
পৃষ্ঠা ১০১