আমার পাতা … আমার জীবন (প্রথম পর্ব)

নওয়াল সাদাওয়ি d. 1442 AH
173

আমার পাতা … আমার জীবন (প্রথম পর্ব)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

জনগুলি

يوم 6 نوفمبر 1956م تحولت مدينة بورسعيد إلى قطعة من النار، صوت عبد الناصر يدوي في الراديو، «سنقاتل حتى النصر»، القنابل والصواريخ تتساقط من الطائرات، والأسطول يضرب من البحر، الدبابات نزلت في الشوارع، القناصة هبطوا بالطائرات الهليوكبتر على سطح البيوت، أطلقوا النيران على الناس في النوافذ والمارة في الشوارع، دافعت النساء والأطفال عن حياتهم من حارة إلى حارة، ومن بيت إلى بيت بالحجارة والشوم والسكاكين، تكونت فرق من الفدائيين، فتيان وفتيات وأطفال من أهل بورسعيد، أمسك الإنجليز غلاما صغيرا كان يقاتل، ضربوه، عذبوه ليعترف على زملائه الفدائيين، لم ينطق بكلمة واحدة، قلعوا عينيه ثم قتلوه دون أن يفتح فمه، غلام آخر في حي المناخ قتلوه أمام أمه، عذبوها لتدلي بشيء عن الفدائيين ماتت دون أن تنطق. - ماتت يا ضكطورة؟ - أيوه ماتت يا أم إبراهيم. - يا كبدي عليها لازم قلبها انحرق على ابنها، لكن الموت أهون من اللي أنا فيه، لا أنا عارفة ابني حي ولا ميت، لو عرفت إنه مات يمكن قلبي يبرد شوية، خايفة يكونوا بيعذبوه في السجن جوه إسرائيل!

قلب الأم المكلومة منذ حرب 1948م، قلوب الأمهات المكلومات في حرب 1951م، في حرب 1956م، في حرب 1973م، الحروب الخمس شهدتها في حياتي، أريقت فيها الدماء، أغلب الضحايا بنات وأبناء الفلاحين الفقراء الجنود المجهولين والمجهولات، لا يملكون من أرض الوطن شبرا، لا تمنحهم الحكومة إلا الفقر أو الطعن في الظهر، الصوت الحزين يأتيني من قاع البئر: «نحن الذين حملنا السلاح وحاربنا أصبحنا مطاردين مثل المجرمين ...» في فناء كلية الطب قطعة من الحجر عليها أسماء الشهداء، سقطت تحت المبنى الجديد واندثرت في التاريخ. - بلدنا زي الغولة يا ضكطورة تأكل ولادها، ياما بهدلوني في الحكومة، وأنا رايحة جاية من طحلة لمصر، زي الفرخة الدايخة، أسألهم ابني فين يا ناس، ما شفتش منهم إلا البهدلة، ما شفتش قرش واحد من معاش ابني اللي راح الحرب ولا رجعشي، تمان سنين يا ضكطورة سنة ورا سنة لغاية ما روحي طلعت وخلاص بطلت أسافر مصر!

عاشت مدينة بورسعيد ثمانية وأربعين يوما تحت الحصار، في منتصف ليلة 7 نوفمبر أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارها بوقف القتال، هدد الاتحاد السوفييتي بضرب لندن وباريس بالصواريخ، أعلنت الولايات المتحدة موافقتها على القرار بإيقاف النار، لم يعد أمام الجيوش الثلاثة إلا الانسحاب، وخرج آخر جندي بريطاني من بورسعيد يوم 23 ديسمبر 1956م.

كنت أحرك مفاتيح الراديو لأسمع الأخبار، إذاعة صوت العرب في القاهرة ضربت بالقنابل، أعلنت سوريا أنها ستنطلق من إذاعة دمشق، أناشيد النصر من محطة القاهرة لم تتوقف، في أعماقي إحساس غامض بالهزيمة تدربت على السلاح مع مجموعة من شباب القرية، تأهبا للسفر إلى بورسعيد، كل يوم نسأل اليوزباشي علاء: لماذا لا نسافر؟ ماذا ننتظر؟ لم يكن عنده إلا رد واحد: ننتظر الإشارة من القاهرة.

انتهت الحرب دون أن تأتي الإشارة، هل كانت المقاومة الشعبية مجرد تهديد سياسي للأعداء، أيمكن لهذه الحكومة أن تسلح الشعب؟! أيمكن أن يتحول الشعب المصري إلى جيش التحرير كما كان الراديو يقول؟

لم تغير الثورة من جوهر الحكومة المصرية، أقدم حكومة مركزية في التاريخ البشري، تمرست منذ عهود العبودية على قهر الشعب، الثقة مفقودة بين الشعب والحكومة منذ آلاف السنين، تناقض معروف في التاريخ بين الحكام والمحكومين، لا يمكن لحكومة أن تستمر على عرشها! دون أن تسلب الشعب حقوقه الأساسية، أولها المعرفة وثانيها السلاح.

إذاعة القاهرة تحجب عنا الحقيقة؟! لم نعرف ماذا يحدث بالضبط، كنا نتجمع حول الراديو، فريق الإسعافات الأولية، والفريق الذي تدرب على السلاح، نحرك مفاتيح الراديو بحثا عن الإذاعات الخارجية، كان معنا شاب فدائي من قرية طحلة، اشتبك مع اليوزباشي علاء في حوار ساخن، قرر السفر إلى بورسعيد دون انتظار الإشارة، تعقبه اليوزباشي علاء وأمسكه في محطة بنها، سلمه لرجال البوليس في مركز الشرطة، ضربوه ثلاثة أيام، عاد إلى القرية ذراعه مكسورة، تجمع الشباب في المعسكر غاضبين، هتفوا ضد اليوزباشي علاء، تصدى لهم الأستاذ خير الله، هتفوا ضده هو الآخر، كنت في بيتي حين سمعت الهتاف: يسقط الخونة!

في اليوم التالي جاءت إلى القرية فرقة من رجال الشرطة، يتقدمهم رجل من المباحث، قصير مربع يخفي عينيه وراء نظارة سوداء، تم القبض على بعض الشباب، فتشوا البيوت بحثا عن السلاح، ضربوا الآباء والأمهات، أشاعوا جوا من الإرهاب، ضابط المباحث رأيته يدخل مكتبي في القسم الصحي: «تسمحي يا دكتورة آخذ من وقتك دقيقتين؟ مجرد سؤال أو سؤالين.»

هذه هي لغة البوليس، لم أكن أعرفها بعد، لم أعرف أن الدقيقتين قد تصلان إلى ساعتين أو ثلاث ساعات، وقد تعني ما هو أكثر، حين أخذوني من بيتي في 6 سبتمبر 1981م لم أسمع منهم إلا هذه العبارة: «مجرد سؤال أو سؤالين يا دكتورة» ثم وجدت نفسي داخل السجن. •••

شتاء عام 1957م في قرية طحلة كان باردا مغبرا، الأغاني لا تكف في الراديو، انتصرنا انتصرنا! في أعماقي أدرك الهزيمة، الجرح الغائر في القلب لم يلتئم، أصابع ضبابية تلتف في النوم حول عنقي، أفتح فمي لأصرخ، صوتي لا يطلع، أتكور تحت الغطاء أخفي وجهي، كالطفلة تخاف العفاريت، أهل القرية يؤمنون بوجودها كإيمانهم بوجود الله، كانت أم إبراهيم مثل أهل القرية، تقرأ قبل أن تنام سورة يس، تطرد بها العفاريت وأرواح الجان «ربنا ذكرهم في القرآن يا ضكطورة»، العرافة تقرأ الغيب في الودع والفنجان، العاقرات من النساء يذهبن إلى الشيخ حمدان، يحبلن في الأوضة الضلمة، يزوره الله في المنام، رفع عنه الحجاب رغم أنه أعمى اصطفاه الله وأفقده البصر، أعطاه القدرة على تحبيل النساء وطرد العفاريت من أجسادهن. - «البت مسعودة بنت الحاج زيدان ركبها العفريت يا ضكطورة.» - «عفريت إيه وكلام فارغ إيه يا أم إبراهيم؟!»

অজানা পৃষ্ঠা