আমার পাতা … আমার জীবন (প্রথম পর্ব)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
জনগুলি
كان عمي الشيخ محمد مختلفا كل الاختلاف عن أبي؛ ربما لأنه لم يكن ابن ستي الحاجة، ورث أبي عنها القامة الفارعة الممشوقة والذكاء الفطري، درس أبي وعمي معا في الأزهر، تخرجا معا، بقي عمي في الأزهر أستاذا أزهريا، لا يدرك من الإسلام إلا الحدود والقيود، اقتحم أبي دار العلوم ومدارس أخرى، بل علم نفسه اللغة الفرنسية، كان يمكن أن يكون وزيرا للمعارف لو دخل لعبة السياسة والأحزاب، إلا أنه ترفع عن النفاق أو الصعود إلى السلطات على حساب الكرامة وحرية الرأي.
لم يكن في بيت عمي الشيخ محمد مكتبة تضم كتبا أخرى غير القرآن والشريعة أو الكتب الدينية، في مكتبة أبي كانت هناك الروايات وقصائد الشعر والتراجم، وكتب متعددة في الأدب والنقد والفلسفة والتاريخ. كانت فوزية ابنة عمي الكبرى تحب المدرسة، تهمس لي حين نلتقي بأحلامها، كانت مثل زينب (ابن عمتي بهية) تحلم بأن تكون أستاذة كبيرة، أصبحت زوجة لأحد المدرسين في بلدة بلتان، وأنجبت عددا من الأولاد والبنات. أحيانا كنت أمر على بيتها في طريقي إلى كفر طحلة، وجهها الشاحب الحزين يذكرني بوجه أمها ، يبدو عليها الإعياء، أمامها وابور الجاز فوق الأرض، تقلب بالمغرفة داخل حلة كبيرة يتصاعد منها الدخان، ابنتها الكبرى إلى جوارها، ترمقني بعينين يكسوهما البريق: «أنا عاوزة يا ماما أطلع دكتورة زي خالتي نوال.» ترمقها أمها بنظرة صامتة، تمصمص شفتيها كأنها تتذكر حلمها القديم، ثم تخفي وجهها داخل الحلة فوق النار.
أخذتني ابنتها إلى الغرفة الصغيرة، رفعت مرتبة السرير وأخرجت كشكولا يشبه مفكرتي السرية وأنا في مثل عمرها، فتحة أصابعها الرفيعة الطويلة تشبه أصابعي، رأيت بين الأوراق فراشة بيضاء محنطة، وورقة صغيرة مطوية، فتحتها فرأيت قصاصة إحدى الصحف عليها صورتي، من تحتها مقال لي تحت عنوان: «المرأة إنسان له عقل.»
لمعت عيناها بالدموع وهمست في أذني: «نفسي أكتب زيك يا خالتي نوال.» إلا أن حلمها مثل أمها، اندثر وراح في العدم.
في العام 1948، العام الذي دخلت الجامعة، انتقل أبي من منوف إلى الجيزة، قدم شكوى إلى وزير المعارف، قال فيها: إن الترقية في الوزارة تعتمد على الوساطة أو القرابة لأصحاب النفوذ، إنه سوف ينشر الشكوى في صحف المعارضة.
كان للمعارضة ضد الحكومة بعض القوة، انتشرت بين الناس الشائعات عن فساد الملك والحكم، اشتدت وطأة الغلاء ومعه التذمر الشعبي، الحركة الوطنية أصبحت تجتذب أعدادا أكبر من الشباب وطلاب الجامعة، المظاهرات الوطنية تنفجر من حين إلى حين.
أصبح أبي مراقبا عاما للتعليم في محافظة الجيزة، استأجر بيتا من دور واحد تحوطه حديقة صغيرة، كان الحي جديدا هادئا في أول شارع الهرم يسمونه «العمرانية»، يطل على ترعة طويلة يسمونها «ترعة الزمر»، نمت على جانبيها الأشجار الباسقة، تخترق شارع الهرم من تحت كوبري صغير، لم يكن هناك عمارات عالية أو محلات تجارية ... لا نسمع ضجيج السيارات في شارع الهرم الصاعدة إلى الأوبرج وهضبة الأهرامات الثلاثة، أو الهابطة تحت نفق قطار الصعيد إلى ميدان الجيزة وكوبري عباس أو شارع الجامعة وحديقة الحيوان.
لم يكن لأمي أن تسكن في عمارة عالية أو شقة بدون حديقة، كانت تحب أن تفتح النافذة في الصباح فتدخل الشمس وترى الأشجار والخضرة ، أصبحت الخضرة ضرورية لها كالهواء والشمس، أبي تربى بين الزرع والحقول، يستشعر الحنين دائما إلى القرية ودار أمه المفتوحة على المساحات الخضراء.
كل يوم أمشي على قدمي من البيت إلى الجامعة، مسافة ساعة في الصباح الباكر ومثلها في العودة آخر النهار، تعودت المشي بخطوة واسعة سريعة، في قدمي حذاء جلدي أسود كعبه مربع متين مثل كعوب الرجال، في يدي حقيبة جلدية سوداء تشبه حقائب الأطباء، أرتدي تاييرا لونه رصاصي من الصوف الذي تصنع منه بدلة أبي، قامتي مشدودة طويلة أطول من زملائي في الكلية، رياضة المشي كل يوم أصبحت ضرورية، ينعشني الهواء البارد في الصباح الباكر.
أخرج من شارعنا الصغير إلى شارع ترعة الزمر، أسير حتى شارع الهرم، وأتجه يمينا نحو نفق القطار لأصعد منه إلى ميدان الجيزة، ثم أنحرف إلى اليسار لأدخل شارع الجامعة. كان شارعا مهيبا تظلله الأشجار الباسقة على الجانبين، وأشجار حديقة الحيوان الضخمة تطل من وراء السور الحجري العالي، يترامى إلى أذني صوت زئير الأسد أو زقزقة العصافير، في الناحية الأخرى كانت مدرسة السعيدية الثانوية التي دخلها أخي طلعت بعد مدرسة منوف.
অজানা পৃষ্ঠা