আমার পাতা … আমার জীবন (প্রথম পর্ব)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
জনগুলি
أكثر البنات وقعن في حب أبلة نفيسة مدرسة الرسم، لا أعرف لماذا، كانت في نظرهن أكمل المدرسات وأرشقهن وأكثرهن رونقا، إلا أنني لم أكن أنجذب إليها، كانت أشبه بالدمية أو اللوحة المرسومة بإتقان، ملامحها شديدة التناسق إلى حد فقدان الشيء المميز للجاذبية، شخصيتها أيضا كملامحها تفتقد الشيء غير العادي أو غير المألوف.
أبلة نفيسة كانت أليفة مألوفة، لا يمكن لها أن تحرك خيالي، إنها تشبه الأميرات أو زوجات الملوك والرؤساء، هذا النوع من النساء لا يظهرن إلا في كامل الزينة وفي ظل الرجل، ثم يختفين فجأة باختفائه، يطلق عليهن «حرم صاحب الجلالة أو صاحب المعالي أو السيادة»، لكن مس سنية كانت مختلفة، لا أعرف كيف؛ فهي لا تشبه واحدة من النساء، خاصة هؤلاء اللائي يمكن أن نسميهن «نساء الظل»، وهي تظهر بلا زينة ولا مكياچ، وليست جزءا من موكب الناظرة أو الوزير حين يزور المدرسة.
أحببت الأدب الإنجليزي لأنها هي التي كانت تدرسه لنا، كنت أنتظر حصتها كمن ينتظر قطرة غيث في صحراء، ألتقط كل كلمة تخرج من بين شفتيها كأنما هي درة، يستقر درسها في ذاكرتي دون مذاكرة، أحفظه عن ظهر قلب دون قراءة، مجرد السماع فحسب وأنا جالسة في حصتها عيناي شاخصتان إليها كالمغناطيس، وأذناي مفتوحتان، لا يفوتني حرف واحد، تلكزني صفية الجالسة إلى جواري فلا أحس، يشتعل حريق في الفصل فلا أنتبه إليه ؛ إن حواسي كلها مع عقلي وخيالي قد تجمعت وتركزت في هذه النقطة المحدودة من الكون حيث هي تكون.
ثم جاءت الصدمة التي ضيعت السحر ومعه الحب، كان ذلك في بداية الصيف عام 1948م، كان الامتحان النهائي على الأبواب، وتعودت مثل بنات الداخلية أن أمشي في الممرات الطويلة أمام العنابر في يدي الكتاب أراجع الدروس، كان هناك ممر يدور حول غرف النوم الخاصة بالمدرسات، وهو الممر المفضل لدى البنات لأسباب يعلمها الجميع، لم أكن أقترب من هذا الممر، أخشى أن تفتح مس سنية بابها فتراني وتدرك أني أنتظرها، ألا تعرف أني أنتظرها؟! كنت أتظاهر بالرزانة والثقل، ولست خفيفة أو شعنونة مثل البنات الأخريات.
كان اليوم الجمعة، ولم تكن مس سنية كغيرها من المدرسات تقضي يوم الجمعة في المدرسة، تحمل حقيبتها الصغيرة بعد نهاية الحصص يوم الخميس ولا تعود إلا يوم السبت صباحا. هكذا كنت أتمشى أيام الجمع في ذلك الممر دون حرج، أرفع وجهي من فوق الكتاب لأرمق باب غرفتها المغلق ثم تعود عيناي إلى الكتاب، كنت أعرف أن غرفتها خالية منها، أن المدرسة كلها خالية منها، بل إن الكون كله قد أصبح خاليا خاويا فارغ المعنى؛ لهذا كنت أتمشى في الممر وأرمق بابها، كأنما الباب قد أصبح جزءا منها، ومع شيء من الخيال يمكن أن يكون الكل ويعود للكون معناه.
فجأة انفتح الباب في اللحظة التي مررت بها أمامه، ورأيتها أمامي، تسمرت في مكاني فاقدة النطق، لكني رأيتها، كانت ترتدي قميص نوم وفوطة على كتفها وفي يدها صابونة، منظر عادي تماما، إلا أنه كان مفتوحا عند الصدر، ولمحت ذلك الشيء البارز في صدور النساء والذي يسمونه «الثدي»، بعقلي الواعي كنت أقول لنفسي: إنها امرأة، ولا بد أن يكون لها ثدي ورحم وكل شيء، إلا أنها فكرة مجردة، أما أن يصبح للفكرة لحم ودم فهذه هي الطامة الكبرى.
أصابتني الصدمة بما يشبه الغثيان، كنت أظنها من فصيلة الأرواح، وكم رأيت ثدي أمي وهي ترضع الطفل وراء الآخر، وكم رأيت من أثداء الزميلات في الداخلية، إلا أنني لم أشعر بالنفور كما حدث لي هذه المرة، لماذا؟ لم أعرف، كانت صدمتي فيها كبيرة حين اكتشفت أنها أنثى، أصابتني الفجيعة فيها كأنما هي المسئولة، أو كأنما خدعتني في الظاهر وهي في الباطن شيء آخر.
تبددت نشوة الحب مثل سحابة الصيف الرقيقة، لم يعد لوجودها في الكون السحر القديم، إلا أن علاقة خاصة ظلت تربطني بها، صورتها الأولى ظلت في خيالي بعد أن تركت المدرسة، احتفظت في درج مكتبي بصورتها وهي تلعب التنس، طويلة ممشوقة تبتسم بإشراقة الشمس. مضت أربعة أعوام أخرى ثم التقيت بها مصادفة في شارع قصر العيني، لم أتعرف عليها، تحولت في أعوام أربعة إلى امرأة عرجاء عجوز. رفعت وجهها وابتسمت، تعرفت على الابتسامة والبريق العسلي. مش معقول! مس سنية؟!
نطقت اسمها بسهولة، وكان هذا الاسم يصيبني بالخرس وقلبي تحت الضلوع يتوقف، انتي فين يا نوال؟! في كلية الطب هنا في شارع قصر العيني، يعني حتبقي دكتورة مش أديبة! وتلعثمت لم أعرف بماذا أرد، كأنما دخولي كلية الطب كان خيانة لها، «نوال، انتي موهوبة، خسارة تدخلي الطب.» «وانتي فين يا مس سنية؟» «أنا انتقلت لمعهد الموسيقى هنا في شارع قصر العيني.»
في الشارع نفسه على بعد دقيقتين بالخطوة السريعة، كنت أزورها في معهد الموسيقى، في كل مرة يتدهور بها الحال، كانت مصابة بمرض لا علاج له في الطب، يسمونه التهاب المفاصل المزمن، بالإنجليزية «روماتويد أرثرايتس».
অজানা পৃষ্ঠা