3
واشتهر من الشاعرات المتظرفات الجميلات الموقوفات على الحب: الذلفاء، وعنان جارية الناطفي، ويقولون: إنها أشعر الناس، وجنان صاحبة أبي نواس، وفضل الشاعرة جارية الخليفة المتوكل، وكانت أفصح أهل زمانها وكانت تهاجي الخنساء الشاعرة جارية هشام المكفوف، وعشقت الكاتب البليغ سعيد ابن حميد، وللمتوكل بنان ومحبوبة أيضا، وهما شاعرتان، وفي الأندلس: نزهون الغرناطية، وولادة، وحمدة الملقبة بخنساء المغرب ... وكثيرات غيرهن استوفينا أسماءهن في تاريخ آداب العرب.
وحفل تاريخ العرب بالقيان الظريفات الغزلات، ولا تكاد أسماؤهن تحصى، وهن سر الغزل الحي البديع الذي انفردت به تلك العصور، ولم يظفر الأدب العربي بمثله من بعدها إلى اليوم.
4
وجاء في آدابنا العربية من المؤلفات المعجبة التي أفردت للحب ومعانيه وأهله وأخبارهم ونوادرهم وأشعارهم كتب مجردة: منها كتاب الزهرة الذي ألفه الإمام محمد بن داود الظاهري فقيه أهل العراق
5
وقد جعل كتابه في مائة باب وهو القائل: ما انفككت من هوى منذ دخلت الكتاب! ثم الظرف والظرفاء، وكتب مؤلفه الكثيرة في هذه المعاني،
6
ثم مصارع العشاق الذي وضعه أبو بكر البغدادي السراج المتوفى سنة 509ه وجعله اثنين وعشرين جزءا، وهو أصل لكل ما وضع بعده من الكتب: كأسواق العشاق، وديوان الصبابة، وتزين الأسواق، ومنازل الأحباب، وغيرها ... ومع كل ما رأيت فقد انفرد الشعر وحده بالنسيب والغزل وأوصاف الجمال، وليس لنا كتاب واحد في رسائل الحب، ولا نعرف أحدا من البلغاء كتب فيها، ولعل هذا راجع إلى أن تلك الطريقة استقل بها الشعر في الصدر الأول فقلد الباقون، وأخذوا في مدرجتهم من بعد.
وكأن هذا الباب عندهم مما يرون للشعر به اختصاصا، فهو سبيله دون الكتابة والخطابة؛ لمكان الوزن في الشعر، فتجيء الرسالة الغزلية لحنا غنائيا من طبيعتها، ثم لأنه قد تقرر عندهم أنه يحسن في الشعر من فنون الكذب والمبالغة ما لا يطرد في النثر، حتى إن أكثر الرذائل - كالهجاء ووصف الخمر والمجون - كان ظرفها الشعر، وهي فيه سائغة وفي غيره منكرة، ولا يأتي منها في المنثور إلا قليل.
অজানা পৃষ্ঠা