فانحنى دعبس فوقه وألصق أذنه بصدره، ثم قرب وجهه من وجهه، وأشعل عودا من الثقاب، ثم وقف وهو يهمس: إنه ميت.
فاقشعر بدن جبل وقال: كذبت! - ميت ابن ميت وحياتك. - يا خبر أسود!
فقال دعبس مهونا الأمر: كم ضرب وكم قتل! فليذهب إلى الزبانية!
فقال جبل بصوت حزين وكأنه يخاطب نفسه: لكنني لم أضرب ولم أقتل. - كنت تدافع عن نفسك. - لكنني لم أقصد قتله ولا أردته.
فقال دعبس باهتمام: إن يدك لشديدة يا جبل، لا خوف عليك منهم، وبوسعك أن تكون فتوة لو أردت.
فضرب جبل جبينه بيده وهتف: يا ويلي، هل أنقلب قاتلا من أول ضربة؟ - انتبه إلى نفسك وهلم ندفنه وإلا قامت القيامة. - ستقوم القيامة دفناه أم لم ندفنه. - لست آسفا، عقبى للباقي، عاوني على إخفاء هذا الحيوان.
وتناول دعبس النبوت وراح يحفر في الأرض غير بعيد من الموضع الذي حفر فيه قدري من قبل. وما لبث جبل أن انضم إليه بقلب كئيب. وتواصل العمل في صمت حتى قال دعبس ليخفف عن جبل ثقل مشاعره: لا تحزن فالقتل في حارتنا مثل أكل الدوم.
فقال جبل متنهدا: ما وددت أن أكون قاتلا قط، رباه ما كنت أحسب أن غضبي بهذه الفظاعة!
ولما فرغا من الحفر وقف دعبس يجفف جبينه بكم جلبابه ويتمخط ليطرد الرائحة الترابية التي تملأ خيشومه. قال بحقد: هذه الحفرة تسع ابن الزانية والفتوات الآخرين.
فقال جبل بضجر: احترم الميت، فجميعنا أموات.
অজানা পৃষ্ঠা