فابتسم زقلط ابتسامة كالامتعاض وقال: ألم تجد حيا غير حي النسوان لتكون فتوة عليه؟
ثم صاح بالقهوة: يا نسوان، يا أولاد الزواني، ألا تعترفون بأن للحارة فتوة؟
فقال حمدان بوجه شاحب: يا معلم زقلط ليس بيننا وبينك إلا الخير.
فصاح به: اخرس يا عجوز يا قارح، الآن تتمسكن بعد أن تهجمت على أسيادك وأسياد أهلك.
فقال حمدان بصوت المتألم: لم يكن في الأمر تهجم، لكنها شكوى سرنا بها إلى حضرة الناظر.
فصاح زقلط: أسمعتم ما يقول ابن الزانية؟ حمدان يا نتن أنسيت ما كانت أمك تفعله؟ والله لن يسير أحدكم آمنا في هذه الحارة حتى يقول بأعلى صوته: أنا مرة.
ورفع بسرعة نبوته وهوى به بشدة على الطاولة فتطايرت الفناجيل والأكواب والصواني والملاعق وعلب البن والشاي والسكر والقرفة والزنجبيل والكنكات. وثب عبدون إلى الوراء فارتطم بترابيزة وسقطا معا. وبغتة وجه زقلط لطمة إلى وجه حمدان ففقد الرجل توازنه وسقط على جنبه فوق النارجيلة التي تحطمت. ورفع زقلط نبوته مرة أخرى وهو يصيح: لا ذنب بلا عقاب يا أولاد الزواني.
وتناول دعبس كرسيا ورمى به الفانوس الكبير فتحطم وساد الظلام قبل أن يهوي النبوت على المرآة الكبيرة وراء الطاولة. وصوتت تمر حنة فرددت نساء آل حمدان الصوات في النوافذ والأبواب، كأنما انقلبت الحارة حنجرة كلب رمي بحجر. وجن جنون زقلط فأطلق ضرباته في كل ناحية فأصابت أناسا ومقاعد والجدار. وتلاطمت أمواج الصراخ والاستغاثات والتأوهات. وتطايرت الأشباح في كل ناحية. وارتطمت أشباح بأشباح. وصاح زقلط بصوت كالرعد: كل واحد يلزم بيته.
فبادر إلى تنفيذ الأمر كل شخص، من آل حمدان أو من غيرهم، وتتابع وقع الأقدام المتراجعة. وجاء الليثي بفانوس فظهر على ضوئه زقلط والفتوات من حوله، في حارة خالية، لا يسمع بها إلا صوات النسوان. وقال بركات متوددا: وفر نفسك يا معلم للشدائد، وعلينا نحن تأديب الصراصير.
وقال أبو سريع: لو شئت جعلنا من آل حمدان ترابا تمشي عليه بحصانك.
অজানা পৃষ্ঠা