فقال زكريا: فلينته الأمر عند هذا الحد.
فقال قاسم بهدوء وتصميم: لن أتخلى عن الأمر مهما تكن العواقب، ولن أكون دون جبل أو رفاعة برا بجدي وأهل حارتنا.
فقام عويس غاضبا وغادر حجرة الجلوس وهو يقول: هذا الرجل مجنون، وكان الله في عونك يا بنت أخي.
أما صادق فوثب إلى قاسم وقبل جبينه وهو يقول: رددت إلي روحي بما قلت.
وقال حسن متحمسا: الناس في حارتنا يقتلون بسبب مليم، وبلا سبب، فلماذا نخاف الموت عندما نجد له سببا حقا؟!
وارتفع صوت سوارس من الحارة مناديا زكريا فأطل الرجل من النافذة ودعاه إلى الدخول، وما لبث أن دخل الحجرة وجلس وهو مقطب متجهم. ثم نظر إلى قاسم وقال: لم أكن أدري أن في حينا فتوة سواي.
فقال زكريا مشفقا: ليس الأمر كما قيل لك. - ما قيل لي أدهى وأمر!
فقال زكريا متأوها: عبث الشيطان بعقول أولادنا.
فقال سوارس بجفاء: أسمعني لهيطة كلاما ثقيلا بسبب ابن أخيك، كنت أحسبه فتى عاقلا، فإذا بجنونه يفوق كل جنون. اسمعوا جيدا، إذا تهاونت معكم جاء لهيطة ليؤدبكم بنفسه، ولكني لن أسمح لأحد بأن يعرض كرامتي للمهانة، فالزموا حدودكم، والويل لمن تحدثه نفسه بالعناد.
وراح سوارس يراقب أعوان قاسم فلم يسمح لأحد منهم بالاقتراب من بيته، وفي سبيل ذلك أهان صادق ولكم أبو فصادة، وطلب إلى زكريا أن ينصح قاسم بالتزام داره حتى تنسى الزوبعة؛ ووجد قاسم نفسه سجينا في بيته، لا يزوره أحد سوى ابن عمه حسن. ولكن ما من قوة تستطيع أن تسجن الأخبار في الحارة؛ فقد تسللت إلى حيي رفاعة وجبل همسات عما يضطرب في حي الجرابيع، عن دعوى كادت أن ترفع على الناظر، وعن مزاعم خاصة بالشروط العشرة، بل عن اتصال وقع بين قنديل خادم الجبلاوي وبين قاسم. وثارت النفوس بشتى الانفعالات، وتطايرت التهم والسخريات. وقال حسن يوما لقاسم: الحارة تتهامس بالخبر، وفي كل غرزة لا حديث إلا عنك.
অজানা পৃষ্ঠা