تقدم كعبورة الزفة، في جلباب على اللحم، يرقص حافيا ومركزا على قمة رأسه نبوتا. وخلفه سار المنشدون، فسوارس، ثم موكب العريس بين صاحبيه، وأحاط بالجميع حملة المشاعل. وراح المنشد يغني بصوت مليح:
الأولة آه من عيني دي،
والتانية آه من إيدي دي،
والتالتة آه من رجلي دي،
أصل اللي شبكتني مع المحبوب عيني دي،
لما سلمت عليه سلمت بإيدي دي،
وادي اللي ودتني للمحبوب رجلي دي.
وتعالت الآهات من الأفواه المخمورة المخدرة والموكب يشق طريقه إلى الجمالية، فبيت القاضي، فالحسين ثم الدراسة، والليل ينطوي في غفلة من السعداء. وعادت الزفة كما ذهبت في بهجة وانشراح فكانت أول زفة في الحارة تمر بسلام، فلا نبوت ارتفع ولا دم سال. وبلغ الطرب من زكريا منتهاه فتناول عصاه وراح يرقص. لعب بالعصا وتمايل في اختيال، وهز الرأس مرة والصدر أخرى كما هز الوسط. وصور بحركاته المرنة هيئة القتال وهيئة الوصال. ثم دار حول نفسه مؤذنا بحسن الختام بين التهليل والتصفيق.
عند ذاك انتقل قاسم إلى الحريم. رأى قمر جالسة عند ملتقى صفين من المدعوات، فاتجه نحوها يخوض أمواجا من الزغاريد. وتناول يدها فقامت، ثم سارا معا تتقدمهما راقصة كأنما تلقي عليهما الدرس الأخير، حتى احتوتهما حجرة العرس. وبإغلاق باب الحجرة انفصلا انفصالا كليا عن العالم الخارجي الذي سارع إليه الصمت عدا تهامس خفيف أو وقع أقدام. وفي لمحة عين مر قاسم بالفراش الوردي والأريكة الوثيرة والسجادة المنمنمة، أشياء لم تقع له في خيال، ثم استقر بصره على المرأة التي جلست تنزع الزينة عن رأسها. بدت فخيمة مليئة بضة مليحة ذات بهاء. كانت الجدران تنظر إليه متلألئة بالضياء، وكان يرى كل شيء من خلال اضطراب وجيشان وهناء زاد عن حده. اقترب منها بجلبابه الحريري وجسده ينفث حرارة خمرية ممزوجة بسطول حتى وقف أمامها ينظر من عل وهي غاضة البصر فيما يشبه الانتظار. وتناول وجهها بين راحتيه ثم هم بأن يقول شيئا لكنه فيما بدا عدل. وانحنى حتى اضطربت خصلات شعرها تحت أنفاسه، ثم لثم الجبين والخدين.
وسرت إلى أنفه رائحة بخور تسربت من عقب الباب، وترامى إلى سمعه صوت سكينة وهي تتلو رقية مبهمة.
অজানা পৃষ্ঠা