49
ونزل عم شافعي ليفتح الدكان فلم يجد رفاعة هناك كما توقع. لكنه لم يناد عليه وقال لنفسه: إنه من الحكمة أن يتظاهر بالبرود لغيابه. ومضى النهار يزحف رويدا وضوء الشمس ينحسر عن أرض الحارة، والنشارة تتكاثف حول قدمي شافعي دون أن يظهر رفاعة. وأتى المساء فأغلق الرجل الدكان وهو في غاية من الضيق والغضب. وقصد كعادته قهوة شلضم واتخذ مجلسه، ولما رأى جواد الشاعر قادما وحده تولاه العجب وسأله: إذن أين رفاعة؟
فأجابه الرجل وهو يتلمس طريقه إلى أريكته: لم أره منذ أمس.
فقال شافعي بقلق: لم أره منذ تركنا بعد الغداء.
رفع جواد حاجبيه الأشيبين ثم تساءل وهو يتربع على الأريكة ويضع الرباب إلى جانبه: هل وقع بينكما شيء؟
ولم يجبه شافعي، وقام فجأة فغادر القهوة. وتعجب شلضم لقلق شافعي وقال ساخرا: هذه طراوة لم تعرفها حارتنا مذ أقام إدريس كوخه في الخلاء. كنت أتغيب في صغري عن الحارة أياما فلا يسأل عني أحد، وعند عودتي يصيح بي أبي الله يرحمه: «ما الذي عاد بك يا ابن اللئيمة؟»
فعلق خنفس على كلامه من صدر القهوة قائلا: أصله لم يكن على يقين من أنك ابنه.
وضجت القهوة بالضحك، وهنأ كثيرون خنفس على جميل دعابته! أما عم شافعي فمضى إلى بيته وسأل عبدة: هل عاد رفاعة؟ فاستحوذ القلق على المرأة، وقالت: إنها كانت تظنه بالدكان كعادته. واشتد قلقها حين أخبرها أنه لم يذهب كذلك إلى بيت جواد الشاعر، وراحت المرأة تتساءل في قلق: إذن أين ذهب؟
وترامى إليهما صوت ياسمينة وهي تزعق منادية على بياع تين، فنظرت عبدة إلى شافعي نظرة مريبة، فهز الرجل رأسه برما وأطلق ضحكة جافة مقتضبة ساخرة، ولكن المرأة قالت: فتاة مثلها تحل العقد!
وذهب الرجل إلى بيت ياسمينة مدفوعا باليأس وحده. طرق الباب ففتحت ياسمينة بنفسها، ولما عرفته تراجع رأسها في دهش مقرون بالظفر وقالت: أنت؟! ياما تحت الساهي دواهي!
অজানা পৃষ্ঠা