تقدموا نحو الحارة محاذين للسور الجنوبي للبيت الكبير. لم ترتد عينا رفاعة عن البيت المغلق. ثم تراءى لهم بيت ناظر الوقف إيهاب وبوابه المقتعد أريكة عند بابه المفتوح. وفي مقابله قام بيت فتوة الحارة بيومي الذي وقفت أمامه عربة كارو محملة بمقاطف الأرز وسلال الفاكهة، وقد مضى الخدم يحملونها للداخل تباعا. وبدت الحارة ملعبا للغلمان الحفاة، على حين افترشت أسر الأرض أو الحصر أمام مداخل البيوت لينقوا الفول أو يخرطوا الملوخية. وتبودلت أحاديث ونكات، وزجر ونهر، وتعالت ضحكات وصرخات. مالت أسرة عم شافعي إلى حي آل جبل فصادفها في عرض الطريق شيخ ضرير، يتلمس طريقه بعصاه على مهل، فأنزل عم شافعي الجوال من فوق ظهره ومضى نحوه منبسط الأسارير، حتى وقف أمامه وهو يهتف: عم جواد الشاعر، السلام عليكم!
توقف الشاعر وهو يرهف أذنيه في انتباه، ثم هز رأسه في حيرة قائلا: وعليكم السلام! صوت غير غريب علي! - أنسيت صاحبك شافعي النجار؟
فتهلل وجه الرجل وصاح: عم شافعي ورب السموات!
وفتح ذراعيه فتعانق الرجلان بشوق وحنان حتى تطلعت إليهما أنظار القريبين وحاكى عناقهما غلامان عابثان. وقال جواد وهو يشد على يد صاحبه: هجرتنا عشرين عاما أو يزيد، يا له من عمر، وكيف زوجك؟
فقالت عبدة: بخير يا عم جواد سألت عنك العافية، وها هو ذا ابننا رفاعة: قبل يد عمك الشاعر.
واقترب رفاعة من الشاعر مبتهجا فتناول يده فلثمها، وربت الرجل كتفه، وتحسس رأسه في استطلاع، وقسمات وجهه، وقال: بديع بديع، ما أشبهك بجدك!
فنور الثناء وجه عبدة، وضحك عم شافعي قائلا: لو رأيت جسده النحيل ما قلت ذلك. - حسبه ما أخذ، إن الجبلاوي لا يتكرر. ماذا يعمل الفتى؟ - علمته النجارة، لكنه ابن وحيد مدلل، يمكث في دكاني قليلا ويهيم على وجهه في الخلاء والجبل أكثر الوقت.
فقال الشاعر باسما: لا يستقر الرجل حتى يتزوج، وأين كنت يا معلم شافعي؟ - في سوق المقطم.
فضحك الرجل ضحكة عالية وقال: كما فعل جبل، لكنه عاد حاويا وتعود نجارا كما ذهبت. على أي حال مات عدوك ولكن الخلف كالسلف.
فقالت عبدة بسرعة: كلهم كذلك، وما نطمع في شيء إلا أن نعيش كما يعيش المسالمون!
অজানা পৃষ্ঠা