وحدجها الأفندي بنظرة ممتعضة وقال: جبل هو الذي دبر مؤامرة الثعابين ليملي علينا شروطه، كل أحد يعرف ذلك. فمن ذا الذي يطالب باحترام كلمة أعطيت لمحتال نصاب مخاتل؟!
وقال زقلط محذرا ووجهه ما زال متشبثا بقبحه: تذكري يا هانم أنه إذا نجح جبل في استخلاص حق آل حمدان في الوقف فلن يهدأ بال أحد في الحارة حتى ينال حقه أيضا، وبذلك يضيع الوقف ونضيع جميعا.
وقبض الأفندي على المسبحة في يده بشدة حتى طقطقت حباتها وهتف بزقلط: لا تبق على أحد منهم.
ودعي الفتوات إلى بيت زقلط ثم لحق بهم أعوانهم المقربون. وذاع في الحارة أن أمرا خطيرا يدبر لآل حمدان، فامتلأت النوافذ بالنساء وازدحم الطريق بالرجال. وكان جبل قد أعد خطته، فاحتشد رجال حمدان في حوش الربع الأوسط مدججين بالنبابيت ومقاطف الطوب على حين توزعت النساء في الحجرات وفوق السطح. وكان لكل أحد منهم عمله المرسوم، غير أن أي خطأ في التنفيذ أو انقلاب في التدبير لم يكن يعني إلا هلاكهم إلى الأبد. لذلك اتخذوا أماكنهم حول جبل وهم في غاية من التوتر والجزع. ولم تغب حالهم عن فطنة جبل فمضى يذكرهم بتأييد الواقف له ووعده للأقوياء بالنجاح، فوجد منهم قلوبا مصدقة، بعضها عن إيمان، والبعض عن يأس. ومال الشاعر رضوان على أذن المعلم حمدان وقال له: أخاف ألا تنجح خطتنا، والأوفق عندي أن نحكم إغلاق البوابة ونضرب من السطح والنوافذ!
فهز حمدان منكبيه امتعاضا وقال: إذن نقضي على أنفسنا بالحصار حتى نهلك جوعا!
وقصد حمدان جبل وسأله: أليس الأفضل أن نترك البوابة مفتوحة؟
فقال جبل: دعها كما هي وإلا شكوا في الأمر.
وكانت ريح باردة تهب بشدة باعثة عواء، وركضت السحب في السماء كأنها مطاردة، فتساءلوا هل ينهال المطر؟ وترامت ضجة المتجمهرين في الخارج حتى ابتلعت مواء القطط ونباح الكلاب. وهتفت تمر حنة محذرة: «جاء الشياطين!»
وحقا غادر زقلط بيته وسط هالة من الفتوات، يتبعهم الأعوان، ومقابضهم على نبابيتهم. ساروا على مهل حتى مدخل البيت الكبير، ثم عرجوا نحو حي حمدان فقابلهم المتجمهرون بالتهليل والهتاف. وكان المهللون الهاتفون أحزابا، منهم قلة تبتهج للعراك وتتسلى بمشاهدة الدم المسفوك، ومنهم من يحقد على آل حمدان لإدلالهم بمكانة لم يعترف لهم بها أحد. وأكثرهم حانق على الفتونة والبغي فهو يبطن الكراهية ويظهر التأييد خوفا ونفاقا. ولم يلق زقلط إلى أحد منهم بالا، ومضى في مسيره حتى وقف أمام ربع حمدان، وصاح: إن كان فيكم رجل فليخرج إلي!
فجاءه صوت تمر حنة من وراء النافذة: أعطنا كلمة شرف جديدة حتى لا يغدر بالخارج غادر!
অজানা পৃষ্ঠা