আগাস্টিন: খুব ছোট একটি ভূমিকা
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
لأول وهلة يبدو هيكل «الاعترافات» محيرا. وبعد تسعة كتب من السيرة الذاتية تصل ذروتها في وصف حساس جدا لوفاة أمه وجنازتها، يربك هذا العمل القارئ غير الخبير؛ إذ يستطرد أوغسطينوس ليتكلم عن الذاكرة والزمن والخلق. وتحمل الكتب الأربعة الأخيرة في حقيقة الأمر مفتاح العمل بأكمله؛ فقد استوعب أوغسطينوس سيرته الذاتية كعالم صغير من عوالم قصة الخلق بأكملها، والسقوط في هوة الفوضى وعدمية الشكل، و«هداية» عالم المخلوقات إلى حب الرب بينما يعايش آلام الحنين إلى الوطن الموجعة. إن ما تصوره الكتب التسعة الأولى في استكشافه الشخصي لتجربة الابن الضال يكتسب بعدا كونيا في الأجزاء الختامية للعمل بأكمله. وترتبط أجزاء السيرة الذاتية كتمثيل عارض للتشرد الهائم لروح الإنسان في «عالم التباين» (وهي العبارة التي يستخدمها أفلاطون إشارة إلى عالم المادة المنفصل تماما عن العالم الرباني). والرحالة الشارد أشبه بمسافر أنهكه العطش في صحراء لا ماء فيها، أو عاشق يتوق لأن يرى محبوبته البعيدة (شروحات المزامير).
طوال حياته كان أوغسطينوس مهتما بشكل غريب بدراسة سلوك الرضع كمصدر خاص لفهم الطبيعة الإنسانية. وفي «الاعترافات»، انطلق أوغسطينوس يبين أن البشر لا يبدءون حياتهم ببراءة؛ حيث يقتفي أثر سحابة المجد التي تعتم بفعل بيئة الراشدين. فما من مخلوق أكثر أنانية، بحسب ظن أوغسطينوس، من الرضيع في مهده: «إذا كان الرضع لا يلحقون الأذى؛ فذلك لأنهم يفتقرون للقوة لا للإرادة» (الاعترافات، الكتاب الأول). ولفهم سلوك الراشدين وهم يتفاوضون بشأن معاملة تجارية صعبة، يحتاج المرء فقط إلى مراقبة الأطفال الصغار وهم يلعبون. وبعد ذلك يأتي بؤس المرحلة المدرسية؛ فاكتساب المهارات الذهنية عمل مجهد لا يقل بشاعة عن الأعمال الشاقة التي حكم على آدم أن يقوم بها بسبب سقوطه. ولاحظ أوغسطينوس أن كد المفكر أسوأ؛ وذلك لأن العامل اليدوي ينام قرير العين على الأقل.
والصداقة سلوان يمنحه الرب في عالم قاس (مدينة الله). كانت مونيكا بالنسبة إلى أوغسطينوس أسمى الأصدقاء؛ فقد أدرك أن حبها وطموحها وحبها للتملك كل ذلك اتسم بعنصر دنيوي. ورغم أنها كانت من مواطني صهيون، فإنها «كانت تعيش في ضواحي بابل». لكن اللغة السامية لمشاعر الامتنان تجاه أمه أحيانا ما تشبه اللغة التي يمكن أن يستخدمها إشارة إلى الكنيسة الأم. وتأتي ذروة «الاعترافات» في الكتاب التاسع حيث وصف أوغسطينوس تجربة صوفية عاشها مع مونيكا في أوستيا قرب نهاية أجلها؛ فقد تبادلا أطراف الحديث حول سرعة زوال كل الأشياء الدنيوية بجمالها ومجدها، على النقيض من الحكمة السرمدية للرب. للحظة شعرا وكأن حوارهما أغرقهما في عالم سرمدي. وقال أوغسطينوس صراحة إنه كان يستخدم لغة في كتابه لم تكن مستخدمة آنذاك. والفقرة غنية بالعبارات المستخلصة من أفلوطين، وتوضح كيف أتاح له الأفلاطونيون الجدد لغة يتحدث بها عن تجربته (الاعترافات، الكتاب التاسع).
شكل 6-2: القديسان أوغسطينوس ومونيكا عام 1854، بريشة آري شيفر.
يظهر بعض أكثر التحليلات عمقا في «الاعترافات» في معالجة الذاكرة في الكتاب العاشر. والنقاش في هذا الكتاب مستقل عن أرسطو وأفلوطين. تعتبر هوية النفس واستمراريتها متجذرة في الذاكرة، وهي مستوى من العقل يضفي وحدة على تعددية التجارب المنفصلة في مجرى الزمن. تستقر الذاكرة في مستوى أعمق من العلم والمشيئة، فهي «باطن العقل» (الاعترافات، الكتاب العاشر)، ومستودع محتمل وحسب في الوعي. ومن خلال بحث البشرية الشمولي عن السعادة، فإن الذاكرة هي أيضا الوسط الذي من خلاله يصبح المرء سريع الاستجابة لآلاء الرب ونعمائه (الاعترافات، الكتاب العاشر). لم يقل أوغسطينوس إن الإنسان الطبيعي بمعزل عن فضل الرب، لديه بالفعل الرب في اللاوعي، حتى عندما ينكره أو يتجاهله بالمستويات الواعية من شخصيته. وتذكر المرء الرب فعل إرادي وقرار بحد ذاته. وحب الرب «ليس بشعور غير محدد، بل هو يقين بالوعي» (الاعترافات، الكتاب العاشر).
ومع ذلك، لم يعتقد أن البشرية يمكن أن تعثر على الرب إلا في أعمق هاوية في «الذاكرة»؛ حيث يستدعى لذهن الشخص الذي لديه استعداد لتنظيم حياته على الطاعة (الاعترافات، الكتاب العاشر). يستدعي هذا التأمل واحدا من أشهر نصوص «الاعترافات»: «في نهاية المطاف، أمسيت أحبك، بجمالك القديم جدا، والمتجدد دوما في ذات الوقت.» ومن بعده يأتي التصريح: «إنك تأمر بالعفة، فهب ما تأمر به، ومر بما تريد.»
ويتابع الكتاب العاشر بيان إلى أي حد امتلك أوغسطينوس، الذي أمسى أسقفا، ضبط النفس في مواجهة المغريات التي تعرضها على عقله حواسه الخمس. وتشبه الفقرة بشدة نصا باقيا من نصوص فرفوريوس. في «الاعترافات» لا تكمن المشكلة فيما تدركه الحواس بقدر ما تكمن في موافقة العقل، «لقد أصبحت مشكلتي الخاصة» (الاعترافات، الكتاب العاشر). ويختتم الكتاب العاشر بالاعتراف باستسلام النفس لنعمة الله المتسامح، المرهون بسر القربان المقدس، وهي فكرة غير أفلاطونية بالمرة. لكن هذا يفضي بنا إلى استقصاء دقيق لطبيعة الزمن.
كان الزمن موضوعا أساسيا على أجندة عمل الفلاسفة الأفلاطونيين الجدد، ويرجع ذلك نوعا ما إلى ملاحظات أفلاطون في محاورة طيماوس عن الخلود؛ نظرا للمفارقات في الكتاب الرابع لعمل أرسطو «الفيزياء»، الذي أثبت فيه أن الزمن غير حقيقي. لقد ورث أرسطو وعيا قويا بتعقيد المسألة. وقال أوغسطينوس: «أعرف ماهية الزمن إلى أن يسألني أحد عنه» (الاعترافات، الكتاب الحادي عشر). وكان هذا رأي أفلوطين إلى حد كبير، ولو أنه ليس بالحدة نفسها. خالف أوغسطينوس أفلوطين في أنه يؤمن بأن النفس سرمدية؛ فالروح تخلق من العدم. وهي تشارك من البداية في عملية التعاقب. ولكن حينئذ تثار مسألة إن كان الخلاص يمكن أن يكون نجاة خارج إطار الزمن. وهو سؤال شائك جدا لعالم لاهوت مسيحي يؤمن بأن الرب الذي يعتبر ثابتا صمدا ومتجاوزا للزمان والمكان تصرف في الوقت المناسب من أجل إنقاذ البشرية. من الواضح أن أوغسطينوس كان على دراية بمفارقات أرسطو، ولا سيما حجته بأن الماضي لم يعد له وجود، والمستقبل لم يوجد بعد، بينما الحاضر لحظة تخلو من هذا التمدد الزمني الذي يبدو أن مفهومنا للزمن يكتسبه.
تكلم أفلاطون عن الماضي والحاضر والمستقبل كأشكال للزمن تسعى لمحاكاة تزامن الخلود. وتكلم أغلب الأفلاطونيين عن الزمن محددا بحركات الأجرام السماوية. وعرف أفلوطين الزمن تعريفا نفسانيا باعتباره تجربة الروح في حركتها من حالة حياة إلى حالة حياة أخرى.
كان أوغسطينوس بالطبع على دراية بأننا عادة ما نقدر الزمن بالشمس والقمر؛ «فالعام 365 يوما وربع اليوم، وربع اليوم يتطلب يوما كبيسا يضاف كل أربع سنوات» (تعليق حرفي على سفر التكوين). لكن في «الاعترافات»، نجد أن تحليل الزمن وارد في سياق الصوفية باعتباره وعيا سرمديا بما هو أبدي؛ وعليه فإنه لم يرد أن يعرف الزمن بلغة الفلك، ولا باعتباره حركة لأي شيء مادي. إن التعاقب والتعدد هما ببساطة تجربة الروح في تدفق التاريخ. ولأن التعدد علامة على الدونية في البناء الأفلاطوني، فإن سرعة زوال حالتنا وفنائها لا بد أن يكونا مؤلمين نوعا ما. يفترض الزمن التغير (الاعترافات، الكتاب الحادي عشر)، «والتغير نوع من الموت» (معاهدة إنجيل يوحنا). لكن الزمن بطبيعته بعد من أبعاد العقل، وحالة نفسانية ترتبط بكون المرء مخلوقا. في الواقع، حتى الملائكة - وهم خلق أيضا - يستقرون في مكان ما وسيط، ما بين الزمن والأبدية. لكننا يجب أن نقول إن الرب صمد ومن ثم فهو سرمدي. وهو عليم بالماضي والمستقبل، ولكن ليس كعلمنا نحن يدور في مدار تجربة نفسانية من التتابع؛ ولذا، من الخطأ أن نطلق على المعرفة الإلهية المعرفة المسبقة؛ فالرب يحيط علما بالماضي والمستقبل، ولكن ليس كعلمنا الذي يتشكل استنادا إلى سلسلة من الأحداث.
অজানা পৃষ্ঠা