আগাস্টিন: খুব ছোট একটি ভূমিকা
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
أعادت العظات الأفلاطونية الحديثة الناصحة بكبت الشهوات والحواس المادية أوغسطينوس إلى تحذير شيشرون من أن الانغماس الجنسي لا يمثل أرضا خصبة للجلاء الذهني. وورد في الورقة الدعائية لفرفوريوس حول التغذي بالنباتات الصرفة أنه «كما يتعين على القساوسة بالمعابد الإعراض عن الجماع لكي تتحقق لهم الطهارة الطقسية ساعة تقديم الأضحية، كذلك على الروح الفردية أن تكون طاهرة بالقدر نفسه كي تنال رؤية الرب.» أدرك أوغسطينوس أنه «منساق بفعل ثقل الحياة الشهوانية.» لم يكن مسيحيا، ورغم ذلك اكتشف بواسطة مسيحيين أمثال سيمبليسيان في ميلانو تجربة ذات أهمية نفسية عظيمة له؛ حيث منحته تأكيدا كاملا وكذا وعيا بزواله الشخصي في مقابل الوجود السرمدي للواحد. واكتشف أنه ممزق في صراع ما بين الفلسفة التأملية التي دعت روحه إلى أشياء أسمى من الجسد، وعادة النشاط الجنسي التي شعر بسببها بأنه مقيد، والتي طالما وجد فيها مصدرا للإشباع الجسدي، إن لم يكن النفسي أيضا. وبدأ يعقد الآمال على أن ينال الحصانة والعفة في نهاية المطاف، وصلى من أجل ذلك، «لكن ذلك لم يتحقق بعد» (الاعترافات، الكتاب الثامن). ومما أراح باله وكان له بمنزلة الحافز في الوقت نفسه أن محاورة هورتنسيوس لشيشرون ورد فيها أن «البحث المحض عن السعادة العليا، لا نيلها الفعلي وحسب، كنز يتجاوز كل ثروات البشر أو شرفهم أو متعتهم المادية.»
باتجاه الهداية
إذا كان الأثر الذي ينطوي على مفارقة لمحاورة هورتنسيوس لشيشرون عندما كان أوغسطينوس في التاسعة عشرة من عمره يتمثل في استقطابه نحو المانوية، فقد كان أثر قراءاته الأفلاطونية في الحادية والثلاثين من عمره أن حثته على الاتجاه نحو أكثر ما يكره فرفوريوس؛ ألا وهي الكنيسة. لقد كانت الجماعة الأفلاطونية الحديثة في ميلانو مهتمة خصيصى بأجزاء من العهد الجديد، مثل مقدمة إنجيل القديس يوحنا أو أسلوب القديس بولس المصطبغ بصبغة أفلاطونية في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس 3-4 التي قدمت أساسا إنجيليا لأفلاطونية مسيحية. وكان المسيحيون في هذه الجماعة معنيين بتفسير رسالة القديس بولس إلى رومية بطريقة تفادت الحتمية والازدواجية المانوية. لقد فسر أوغسطينوس كمانوي أن الحواري لا يتعارض وحسب مع العهد القديم، بل ومع نفسه أيضا؛ فلغة بولس عن الصراع ما بين الجسد والروح (غلاطية، رومية) اقتبسها المانويون كميثاق لإيمانهم بأن النزعات الجنسية للجسد هي أصل كل الشرور. تبنى أفلاطونيو ميلانو الجدد وجهة نظر أقل تشاؤما بعض الشيء. وسرعان ما اقتنع أوغسطينوس بأن المسافة الفاصلة ما بين أفلاطون والمسيح لم تكن بالكاد خطوة قصيرة وبسيطة، وأن تعليم الكنيسة كان فعليا «أفلاطونية للجمهور»، وطريقة صورية ومجازية للتعاطي مع العقول غير الفلسفية لجعلها عقلانية على الأقل في سلوكها. وحتى نهاية حياته، وبعد أن أمست تحفظاته بشأن عناصر بعينها في التقليد الأفلاطوني محددة وواضحة بفترة طويلة، لم يكن أوغسطينوس ليقصر في الإقرار إقرارا سخيا بالدين الذي يدين به لكتب الأفلاطونية الحديثة. وبينما كان على فراش الموت في هيبو أثناء الحصار الطويل الذي ضربته قبيلة الواندال على مدينته، كانت آخر كلماته المؤرخة اقتباسا من أفلوطين.
إن النزعة الروحانية الأفلاطونية الحديثة والتشديد على الاستبطان والتحرر من عوامل التشتيت بالعالم الخارجي شحذت شعور أوغسطينوس بالانسياق في اتجاهين مختلفين؛ حيث ساقته نزعته الجنسية إلى القاع. وبينما طالع رسائل القديس بولس، بدأ يفكر أن الحواري استوعب حالته بالكامل، ووجد نفسه في دوامة من الصراع الداخلي. وزاد وعيه ببؤسه ذات يوم بشدة بينما كان سائرا في شارع من شوارع ميلانو مرورا بشحاذ يضحك بسعادة غامرة تحت التأثير المخدر للخمر (الاعترافات، الكتاب الخامس). وأدرك أن شعوره عند تأمل الرجل لم يكن الشفقة بل الحسد. واكتشف أستاذ البلاغة أن نسخته من رسائل القديس بولس أمست مهمة بالنسبة إليه.
وفي نهاية شهر يوليو عام 386، وفي بستان البيت بميلانو حيث كان يعيش بصحبة أمه وتلميذه الأسبق أليبيوس (وهو محام بارع ما برح في عام 386 يفند المعتقدات المانوية، ولاحقا أصبح أسقفا لبلدة طاغست)، بلغ أوغسطينوس أخيرا مرحلة لا بد فيها من قرار؛ فقد تدهورت حالته الصحية بسبب الربو الذي أصاب صدره، وبح صوته. ولم يستطع أن يحدد إن كان هذا عرض لوعكته أم علة مساهمة في قراره. قرر أوغسطينوس أن يترك منصبه التعليمي، وأن يتخلى معه عن طموحاته بمسار عملي علماني. وكانت الذروة لما تخلى عن نيته في الزواج بالكامل. هل يستطيع أن يحمل نفسه على العيش من دون امرأة؟ علم أوغسطينوس من صديق أفريقي له يعمل في ديوانية البلاط عن وجود مجتمع من الزاهدين الذين يعيشون في ميلانو وعن تنازل أنطوني الناسك المصري عن ثروته، وسيرته الذاتية التي كتبها بابا الإسكندرية أثناسيوس وسرعان ما ترجمت إلى اللاتينية للقراء الغربيين. إذا استطاعوا أن يحققوا كبت النفس عن الشهوات، فلا بد أن ذلك باستطاعته أيضا؛ أم إن إرادته واهنة أكثر من اللازم؟
وفقا للسرد الوارد في الكتاب الثامن من «الاعترافات» التي كتبها بعد تلك المرحلة بأربعة عشر عاما، أمسك أوغسطينوس بنسخته من إنجيل القديس بولس، وفتحها بشكل عشوائي، وعلى غرار الذين التمسوا إرشاد فيرجل لهم في المستقبل، استرشد أوغسطينوس بأول نص وقعت عليه عيناه، وكانت الكلمات الختامية لرسالة بولس إلى أهل رومية 13 التي تقارن ما بين الشهوانية الجنسية والدعوة إلى أن «البسوا الرب يسوع المسيح.» ووصف قراره بلغة أدبية رائعة تردد صدى أسلوب الشاعر بيرسيوس، وعبارة مذهلة من أفلوطين، وتلميح رمزي إلى سقوط آدم من جنة عدن. وسرد كيف سمع صوتا، إذا جاز التعبير، أشبه بصوت طفل يملي عليه أن «أمسك بالكتاب واقرأ!» ثمة خلاف حول مقدار السرد المكتوب نثرا والمقدار المكتوب بلغة أدبية أو بزخارف بلاغية، لكن لا شك أن هناك عاملا أدبيا. ومن المؤكد أيضا أنه في ميلانو بنهاية يوليو 386 قرر أوغسطينوس أن يتخلى عن فكرة الزواج والطموح العلماني، وأن يخوض تجربة التعميد. واستقال من مهنة التدريس بالمدينة.
لم تكن هدايته مفاجأة، بل نتاج أشهر عدة من المخاض الموجع. ولقد شبه هو نفسه لاحقا عملية الهداية بالحمل والولادة. وكان هذا الاختيار إيذانا بتحول أخلاقي أكثر منه فكري في المحتوى. والقصة الواردة في «الاعترافات» تفترض مسبقا أن أوغسطينوس عام 386 اعتبر الشغف الجنسي العقبة الوحيدة بين روحه والتوحد مع الحقيقة المعنوية السرمدية. وما لقنه إياه أفلوطين وفرفوريوس أمسى الآن ممكنا وفعليا بمساعدة نص من نصوص القديس بولس. وبعدها بخمسة عشر عاما، سيعكف أوغسطينوس على الكتابة عن «الوهم» الذي يعيش فيه البعض في هذه الحياة، ومفاده أنه في هذه الحياة من الممكن للعقل البشري أن يفصل نفسه عن العالم المادي كي يستوعب «النور النقي للحقيقة الثابتة» (الانسجام بين الأناجيل
De consensu evangelistarum ). ومع ذلك، في تلك الفترة راودته أحاسيس «العودة إلى المرفأ بعد الرحلة العاصفة». أجيبت صلوات مونيكا لهدايته وتعميده. من المستحيل أن يهلك ابن الدموع الغزيرة.
بعد ذلك بأشهر قلائل أعلن أوغسطينوس أنه رغم أن الرغبات القديمة لم تكف عن مطاردته في أحلامه، فقد بدأ يحرز تقدما؛ حيث أمسى الآن ينظر للجماع بمقت وكراهية باعتباره «حلاوة مرة» (مناجاة النفس
Soliloquia ). لم تجعل طموحات العيش في تقشف منه ناسكا، وكان يشتاق إلى العيش بين أصدقاء عاديين مشاركا إياهم شغفه وحماسه لأفلاطون والقديس بولس مع شيء من أعمال شيشرون (ولا سيما مناقشات توسكولوم) بين الحين والآخر. مرت ثمانية أشهر ما بين قراره الذي اتخذه في بستان ميلانو وعيد الفصح عام 387 عندما عمد على يد أمبروسيوس، كما عمد ابنه غير الشرعي أديوداتوس وصديقه أليبيوس المحامي. وخلال تلك الأشهر، أعطي هو ومونيكا ومجموعة من الأصدقاء والتلاميذ فيلا على سبيل الاستعارة في مدينة كاسيكاسيوم على التلال على مقربة من مدينة كومو. وهناك استعاد عافيته، وتفكر في موقفه.
অজানা পৃষ্ঠা