فإذا فيه من الطيف عزاء
لما قرأت هذه الأبيات وسواها مما تضمنته القصيدة صادفت هواها، ووافقت شعورها، وشجعتها على أن تصارحه بأنها تشعر بنفس الشعور الذي يشعر به، فأرسلت إليه من برلين بتاريخ 30 أغسطس سنة 1925 رسالة تقول فيها:
عزيزي الأستاذ «أكتب إليك من بلد كنت دائما تعجب بشعبه، كما أعجب به أنا أيضا، ولكن إعجابي بقصيدتك البليغة في معناها ومبناها فاق كل إعجاب، وقد اغتبطت بها غبطة لا حد لها، واحتفظت بها في مكان أمين بين أوراقي الخاصة خوفا عليها من الضياع!
إنني لا أستطيع أن أصف لك شعوري حين قرأت هذه القصيدة، وحسبي أن أقول لك إن ما تشعر به نحوي هو نفس ما شعرت به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك وأنت في بلدتك التاريخية أسوان.
بل إنني خشيت أن أفاتحك بشعوري نحوك منذ زمن بعيد، منذ أول مرة رأيتك فيها بدار جريدة «المحروسة». إن الحياء منعني، وقد ظننت أن اختلاطي بالزملاء يثير حمية الغضب عندك، والآن عرفت شعورك، وعرفت لماذا لا تميل إلى «جبران خليل جبران»!»
وكانت «مي» تقدر جبران، وقد كتبت عن كتابه «المواكب» مقالا أثنت عليه ثناء جميلا، وكان العقاد له رأي خاص فيه، ولكنها بطبيعة المرأة ظنت بعد تصريحه بشعوره نحوها أنه يغار منه حين تتحدث عنه!
ثم قالت في نهاية الرسالة: «... لا تحسب أنني أتهمك بالغيرة من جبران، فإنه في نيويورك لم يرني، ولعله لن يراني، كما أني لم أراه إلا في تلك الصور التي تنشرها الصحف، ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال وتشعر بالازدهاء حين تراهم يتنافسون عليها! أليس كذلك؟!
معذرة، فقد أردت أن أحتفي بهذه الغيرة، لا لأضايقك، ولكن لأزداد شعورا بأن لي مكانة في نفسك أهنئ بها نفسي وأمتع بها وجداني؛ فقد عشت في أبيات قصيدتك الجميلة ، وفي كلماتها العذبة، وشعرت من معانيها الشائقة، وفي موسيقاها الروحية ما جعلني أراك معي في ألمانيا على بعد الشقة وتنائي الديار.
سأعود قريبا إلى مصر، وستضمنا زيارات وجلسات، أفضي فيها لك بما تدخره نفسي، ويضمه وجداني، فعندي أشياء كثيرة سأقولها لك في خلوة من خلوات مصر الجديدة، فإني أعرف أنك تفضل السير في الصحراء، وأنا أجد فيك الإنسان الذي أراه أهلا للثقة به والاعتماد عليه.»
أتعرف الشوق والحنين؟
অজানা পৃষ্ঠা