كم ذا تمنيت أوضاع تماثيلك وملامحها، وأنا أحبها سعيدة بامتصاص روحها من روحك، وارتباط نصيبها بنصيبك في خدمة الفن وتمجيد العبقرية. ... تأملتك في الصباح والأصيل، وعند انتصاف الليل، يا ينابيع روما، وسمعتك قرب الصروح الشامخة، وبين الأخربة الدارسة تسوقين في نفس لا ينقطع معاني الضحك والبكاء والعبث والتفجع، والتهليل والنحيب، والمجون والحكمة، ففهمت منك أن نسيج الزمان كنسيج المياه متماسك متناثر، وأن ركبه يمر ويبقى، وأن كل بداية تتلوها نهاية، وكل نهاية تعقبها بداية، وفهمت أنك أنت من أصدق الصور للأزمنة المتدافعة في المسافة، أبدا في ابتداء وانقضاء، أبدا في انقضاء وابتداء.
نسيت نفسي يا للرغد ويا للهناء، لكني أعود، فأذكرها ويشتد عطشي الملتهب العميق، فأتلقى من مائك - يا ينابيع روما - وأشرب شربة لها في فمي طعم الترياق والكوثر.
لحظة ليس غير، لقد رجعت إلى حالي، فما ارتويت بقطرة إلا كانت لهيبا في الأوام الذي لا يرتوي، وما فزت بفهم جديد إلا كانت الخاطرة المستحدثة وقودا لعذاب فكري، وطمعا إلى توسيع حدوده، وما نعمت بنفحة عطف إلا كانت زكوة لعاطفة الحنان التي لا تشبع في، ولا تكتفي!»
بعثت الآنسة مي هذا النشيد العاطفي الرقيق ضمن رسالتها من روما إلى الأستاذ العقاد، فحركت في نفسه الشوق إليها، وحفزته إلى التعبير الصريح عما يضمره نحوها من شعور عميق وحب روحي صادق، فرد عليها بهذه الأبيات التي لم تنشر في الديوان:
آنستي العزيزة مي
القاهرة، 25 يوليو سنة 1925
أبعث بهذه الأبيات من وحي رسالتك الأخيرة:
آل روما لكمو مني الولاء
وثناء عاطر بعد ثناء
وسلام كلما ضاء لنا
অজানা পৃষ্ঠা