আরবদের ইউরোপীয় সভ্যতায় প্রভাব
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
জনগুলি
وهذا الرأي يروج بين الأوروبيين بغير تمحيص ولا مناقشة؛ لأنه يعجبهم ويرضي غرورهم ومصلحتهم في وقت واحد: يرضي غرورهم؛ لأنه يميزهم على الأمم الشرقية بأشرف المزايا الإنسانية، ويرضي مصلحتهم؛ لأنه يسوغ لهم استعمار الشرق واستغلاله في عصر الاستعمار والاستغلال.
ولكن الطريف في الفكرة أنها هي نفسها ليست من الأفكار الفلسفية أو العلمية التي تخلو من المنفعة والتسليم بغير سبب معقول؛ فإن العقل المطبوع على الفلسفية والبحث المجرد لا يقبل أن يتركب العقل الإغريقي طبعا وأصلا على غير التركيب الذي استقر في السلالات البشرية الأخرى، ولا يستريح إلى هذا الحكم المعتسف بغير علة يرد إليها هذا الاختلاف العجيب في أصل التركيب.
والواقع أنه لا اختلاف هناك في أصل الطبيعة بين العقل البشري في الإغريق والعقل البشري في السلالات الشرقية التي ذكروها، وإنما يقع الاختلاف لأسباب موضوعية تجوز على الإغريق كما تجوز على المصريين والبابليين والعرب والفرس والهنود.
وإنما امتاز الإغريق بالبحوث الفلسفية في زمن من الأزمان لسبب واضح: هو أن هذه البحوث كانت مباحة عندهم؛ حيث كانت تمتنع على غيرهم من أبناء الدول الشرقية العريقة، وهي لم تكن مباحة لهم لمزية أصلية في طبيعة التركيب كما وهم القائلون بذلك الرأي المتعجل العسوف، ولكنها أبيحت لهم لأن بلادهم نشأت وتطورت دون أن ينشأ فيها ملك قوي وكهانة قوية، ولو قامت عندهم الدولة القوية والكهانة القوية كما قامت في مصر وبابل لكان شأنهم في أسرار الدين والمسائل الإلهية كشأن البابليين والمصريين.
فالبلاد التي تجري فيها الأنهار الكبيرة تنشأ فيها الممالك الراسخة، وتنشأ مع الممالك كهانات قوية السلطان تستأثر بالبحث في أصول الأشياء، وحقائق التكوين، وتتولى شئون العلم والتعليم كأنها حق لها مقصور عليها لا يجوز الافتيات عليه، وإلا كان المفتئت كالمعتدي على نظام الدولة ومحراب العبادة، ومتى طال الأمد بهذه الكهانات جيلا بعد جيل، وعصرا بعد عصر تمكن سلطانها، وتشعبت دعاواها، وتلبست معلوماتها بلباس الأسرار والطلاسم، وابتعدت شيئا فشيئا من نطاق البحث الحر إلى نطاق المحفوظات والمأثورات.
ولو نشأ لليونان دولة كهذه الدولة، وكهانات كهذه الكهانات؛ لما اجترءوا على التعرض لمسائل الخلق والخالق وطبائع الكون ومكونه بين سواد الناس وجمهرة النظارة، ويسمعهم من شاء منهم بلا رقيب ولا حسيب.
إذا حدث للأوروبيين ما حدث في الشرق حين قامت في بلادهم الكهانات القوية، وبسطت سلطانها على التعليم ومعارض البحث في حقائق الدين، وأسرار الطبيعة، وقوانين الوجود، فبطلت الفلسفة والدراسات العلمية في القرون الوسطى، وحيل بين الناس وبينها إلا بإذن من رجال الدين في حدود النص المقررة كما كانوا يفهمونها، ويبيحون فهمها، واستطاعت الكهانة الأوروبية أن تفعل ذلك وهي حديثة العهد لم تبلغ من العراقة مبلغ الكهانة المصرية أو البابلية؛ إذ كانت تعد أعوامها بالعشرات أو المئات القليلة، وقد غبرت على الكهانات القديمة ألوف من الأعوام بعد ألوف.
على أن الإغريق لم يتحركوا للبحث في الأسرار الإلهية والعلوم الطبيعية إلا بهداية من أمم الكهانات التي سبقتهم إلى التدين وعبادة الخالق العظيم، يوم كانوا يجهلون قدرة الخالق، ولا يعرفون أنها صفة لإله العالم بأسره، كما عرفها الموحدون في ظل الإله الواحد العظيم.
كان في أرض الإغريق وفي جزيرة كريت أناس من السلالة الإغريقية التي تشملهم على اختلاف القبائل واللهجات، وكانت لهم حضارة يظهر من بقايا الحفر في مواضعها أنها ازدهرت قبل ميلاد المسيح بسبعة عشر قرنا على أقل تقدير، فلم تكن لهم فلسفة، ولا نبغ بينهم حكماء متفلسفون في طوال تلك القرون، وإنما نبغ فلاسفتهم على الشواطئ الآسيوية أو الجزر القريبة منها بعد احتكاكهم بالأمم الشرقية ذوات الحضارة العريقة.
ولو لم يكن لعقائد الشرقيين وعلومهم فضل في تنبيه أذهان الإغريق إلى أصل الوجود وتقديرات الفكر الإنساني الأول لعلل الأشياء، لما كان هناك معنى لظهور الفلاسفة الأولين على مقربة من تلك الحضارات، وليس بصحيح أن الإغريق قصدوا الفلسفة النظرية ابتداء منذ أخذوا في البحث عن حقائق الأشياء؛ فإن فيثاغوراس كان يمزج الدين بالحكمة، ويشرف على تنظيم الجماعات السرية التي تطمح إلى ولاية الحكومة.
অজানা পৃষ্ঠা