আরবদের ইউরোপীয় সভ্যতায় প্রভাব
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
জনগুলি
وقال منهم قائلون: إن هذه السمة - سمة النقل - لازمت الجنس العربي منذ كان له تاريخ متصل بتاريخ العالم في أقدم العصور، فالسمريون سبقوا الأمم العربية فيما بين النهرين، وبلغوا شأوا عظيما من الحضارة والعمران تدل عليه الآثار التي بقيت بعدهم، ولا تزال فضلة منها كافية لتقديرها أحسن تقدير؛ فلا جرم كان البابليون الكلدانيون مسبوقين إلى حضاراتهم فيما بين النهرين، ولم يكونوا فيها سابقين ولا مبتدعين.
ولما تجدد ظهور العرب بعد الإسلام كانت لهم حضارة، ولكنها كانت كذلك حضارة منقولة، ولم تكن بالحضارة المبتدعة على أيديهم، وثبتت سمة النقل بإحصاء أسماء العلماء والمفكرين الذين نهضوا بأمانة الثقافة في ظل الدولة العربية، فإنهم كلهم - إلا القليل منهم - كانوا من الشعوب الأعجمية التي دانت بالإسلام، ولم يكونوا من العرب الأصلاء، وتلك هي الحجة التي يستند إليها دعاة العصبية الأوروبية في تجديد الأمم التي لا تتوشج بينها وبين الأوروبيين واشجة قرابة، من مزايا الإبداع والتفكير.
وهذا الكتاب - فيما نرى - هو موضع الفصل في هذه الدعوى الشائعة، أو هو على الأقل موضع الإشارة إلى البيئة الراجحة والبيئة المرجوحة من أقوال دعاتها؛ لأن تمحيص المزايا العربية هو قوام الكلام على آثار العرب في الحضارة الأوروبية.
وأول ما يوجب التشكيك في هذه الدعوى أن نسأل: أين هي الحضارة التي أبدعت ولم تنتقل؟ وأين هي الحضارة التي يقال عن جميع علمائها: إنهم من عنصر محض خالص ينتمون إليه ولا يمتزج بالعناصر الأخرى؟
فالإغريق نقلوا قبل أن يبدعوا، وعلماؤهم - كما أشرنا إلى ذلك في غير هذا الموضع - قد نبغوا في آسيا الصغرى وجزر الأرخبيل وصقلية والإسكندرية وفلسطين والشام وتخوم العراق، ولم ينحصر نبوغهم في مكان واحد يقال إنه هو موطن العنصر الخالص الذي لا يشوبه عنصر دخيل.
ويصدق هذا على الهند وفارس والصين، كما يصدق على أية أمة من سلالات الأوروبيين المحدثين.
ولا شك أن السمريين الأقدمين كانوا سلالة أخرى غير السلالة العربية؛ لأنهم يخالفونها في معدن اللغة وخصائص المزاج، ولكن الجزم بمنشئهم الأصيل أمر لم ييسر للباحثين إلى يومنا هذا؛ فقد تباين القول في منشئهم حتى قال أناس: إنهم من المغول، وقال آخرون: إنهم من المصريين، وقال غير هؤلاء وهؤلاء: إنهم أوروبيون منحدرون من الشمال.
إلا أن القول بأن العرب الذين وفدوا إلى بلادهم لم يبدعوا شيئا غير ما أبدعه السمريون هو محض تخمين وتظنين؛ لأن العالم لم يتلق عن السمريين أثرا من آثار حضارتهم في حينها، ولما اتصلت العلاقة بين بلادهم وما جاورها كانت السمات العربية ظاهرة في معدن اللغة، وعادات الاجتماع، ومزايا التفكير؛ فلا موضع هنا للجزم بأن العرب نقلوا ولم يبدعوا، وأن السمريين قبلهم أبدعوا ولم ينقلوا، مع جهلنا كل الجهل بما أبدعوه وما نقلوه.
أما في العهد الإسلامي فقد اشتركت الأمم الأعجمية حقا في أمانة الثقافة، وكان لفضلائها قسط عظيم في مختلف العلوم والدراسات، ولكنها لم تنهض هذه النهضة إلا بعد ظهور الإسلام فيها، ولم تكن لها في إبان مجدها القديم فضلة على العنصر العربي في الدراسات النظرية التي يراد بها العلم للعلم، ولا يراد بها العلم للتطبيق أو للانتفاع به في مرافق المعيشة.
وكل نظر صحيح في هذه المسألة يوجب الشك في السبب الذي يردها إليه دعاة العصبية العنصرية، وهو العجز الأصيل في تفكير العربي، وقلة استعداده للبحث الفلسفي، والدراسة النظرية، والاهتمام بالمعرفة والاستطلاع لغير الكسب والانتفاع، مثال ذلك: أن الذين جمعوا الحديث في أول حركة الجمع كانوا من الأعاجم، وكانوا أقلهم من العرب الأصلاء، ولم يقل أحد قط: إن العربي تعوزه ملكة الرواية وحفظ الأنساب والإسناد، وهو الذي وعى بالمحافظة من أنسابه وإسناده ورواياته ما لم يدخل في وعي أمم كثيرة من أمم البداوة أو الحضارة .
অজানা পৃষ্ঠা