226

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

জনগুলি

- النَّمِيْمَةُ كَبِيْرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَهِيَ نَقْلُ الكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الوِشَايَةِ وَالإِفْسَادِ (١).
وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا سِحْرًا أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ السِّحْرِ فِي التَّفرِيْقِ بَيْنَ النَّاسِ، بَلْ قَدْ تَكُوْنُ أَشَدَّ مِنْ حَيْثُ الضَّرَرِ، كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيْرٍ (٢): (يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالكذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ). وَفِي الحَدِيْثِ (لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ) (٣) وَهُوَ النَّمَّامُ.
- قَوْلُهُ (إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا) (٤): (مِنْ) هُنَا للتَّبْعِيْضِ. وَالبَيَانُ عُمُوْمًا هُوَ عَلَى مَعْنَيِيْنِ:
١) الإِفْهَامُ: وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيْهِ جَمِيْعُ النَّاسِ - خِلَافًا لِلبَهَائِمِ -، قَالَ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانَ﴾ (الرَّحْمَن:٣). (٥)
٢) الفَصَاحَةُ التَّامَّةُ: وَهِيَ الَّتِيْ تَسْبِي العُقُوْلَ وَتُغَيِّرُ الأَفْكَارَ، وَتُؤَثِّرُ فِي القُلُوْبِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الحَدِيْثُ هُنَا.
وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنَ السِّحْرِ هُوَ أَنَّ صَاحِبَهُ يُؤَثِّرُ فِي النَّاسِ بِاسْتِمَالَةِ قُلُوْبِهِم عَلَى وَجْهٍ خَفِيٍّ؛ فَيَعْمَلُ عَمَلَ السِّحْرِ، فَيَجْعَلُ الحَقَّ فِي قَالِبِ البَاطِلِ؛ وَالبَاطِلَ فِي قَالِبِ الحَقِّ.
- قَوْلُهُ (مِنَ البَيَانِ): اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي كَوْنِهِ سِيْقَ لِلمَدْحِ أَمْ لِلذَمِّ، فجَعَلَهُ بَعْضُهُم لِلذَّمِّ لِكَوْنِهِ سَمَّاهُ سِحْرًا، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُم مَدْحًا لِكَوْنِهِ عَنِ البَيَانِ - وَالبَيَانُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى -.
وَالأَرْجَحُ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - هُوَ أَنَّهُ يُمْدَحُ أَوْ يُذَمُّ بِحَسْبِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ - إِذَا خَلَا مِنَ التَّكلُّفِ -. (٦) (٧)
- فَائِدَةٌ) يَدْخُلُ فِي إتْيَانِ الكُهَّانِ قِرَاءَةُ المَجَلَّاتِ الَّتِيْ فِيْهَا بُرُوْجُ الحَظِّ، فَالإِنْسَانُ يَقْرَؤُهَا وَقَدْ يُفْتَتَنُ بِهَا، فَهِيَ مِنْ جِنْسِ إِتْيَانِ الكُهَّانِ.

(١) وَفِي لَفْظٍ لِلحَدِيْثِ (أَتَدْرُوْنَ مَا العَضْهُ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: نَقْلُ الحَدِيْثِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ - لِيُفْسِدُوا بَيْنَهُمْ -). صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٤٢٥) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (٨٤٥).
(٢) وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ حَافِظٌ، (ت ١٢٩ هـ)، وَالأَثَرُ أَوْرَدَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الفُرُوْعِ (٢١١/ ١٠) عَنِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُمَا اللهُ.
(٣) البُخَارِيُّ (٦٠٥٦)، وَمُسْلِمٌ (١٠٥) عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوْعًا.
(٤) وَالحَدِيْثُ بِتَمَامِهِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قَالَ: (جَلَسَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ ﷺ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ التَّمِيْمِيُّوْنَ، فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ؛ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَنَا سَيِّدُ تَمِيْمٍ، وَالمُطَاعُ فِيْهِمْ، وَالمُجَابُ فِيْهِمْ، أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ فَآخُذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ، وَهَذَا يَعْلَمُ ذَاكَ - يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الأَهْتَمِ -، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ: وَاللَّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّهُ لَشَدِيْدُ العَارِضَةِ، مَانِعٌ لِجَانِبِهِ، مُطَاعٌ فِي نَادِيْهِ، قَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاللَّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي غَيْرَ مَا قَالَ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَّا الحَسَدُ، قَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَحْسُدُكَ فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَئِيْمُ الخَالِ، حَدِيْثُ المَالِ، أَحْمَقُ الوَالِدِ، مُضَيِّعٌ فِي العَشِيْرَةِ، وَاللَّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ لَقَدْ صَدَقْتَ فِيْمَا قُلْتُ أَوَّلًا، وَمَا كَذَبْتُ فِيْمَا قُلْتُ آخِرًا، لَكِنِّي رَجُلٌ رَضِيْتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتَ، وَغَضِبْتُ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتَ، وَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِي الأَمْرِيْنِ جَمِيْعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا؛ إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا». مُسْتَدْرَكُ الحَاكِمِ (٦٥٦٨).
وَفِي لَفْظٍ لِلحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَجُلًا أَوْ أَعْرَابِيًّا؛ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً». صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٨٧٢). الصَّحِيْحَةُ (١٧٣١).
(٥) وَمِنْهُ سُمِّيَتِ البَهِيْمَةُ بَهِيْمَةً؛ لِأَنَّهَا مُبْهِمَةٌ عَمَّا تُرِيْدُ.
(٦) وَفِي لَفْظٍ أَيْضًا فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ (٨٧٥) عَنِ ابْنَ عُمَرَ ﵁ (قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ المَشْرِقِ - خَطِيْبَانِ - عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ، فَقَامَا فَتَكَلَّمَا ثُمَّ قَعَدَا، وَقَامَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ - خَطِيْبُ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ فَتَكَلَّمَ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِهِمَا، فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ يَخْطُبُ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُوْلُوا قَوْلَكُمْ، فَإِنَّمَا تَشْقِيْقُ الكَلَامِ مِنَ الشَّيْطَانِ)، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا) صَحِيْحٌ. صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (٦٧٥). وَتَشْقِيْقُ الكَلَامِ: هُوَ المُبَالَغَةُ فِيْهِ وَتَزْيِيْنُهُ.
(٧) قَالَ ابْنُ الرُّوْمِيِّ فِي دِيْوَانِهِ (١٦٩/ ٢):
(في زُخْرُفِ القَوْلِ تَرْجِيْحٌ لِقَائِلِهِ ... وَالحَقُّ قَدْ يَعْتَرِيْهِ بَعْضُ تَغْيِيْرِ
تَقُوْلُ هَذَا مُجَاجُ النَّحْلِ تَمْدَحُهُ ... وَإِنْ تَعِبْ قُلْتَ ذَا قَيْءُ الزَّنَابِيْرِ
مَدْحًا وَذَمًّا ومَا جَاوَزْتَ وَصْفَهُمَا ... سِحْرُ البَيَانِ يُرِي الظَلْمَاءَ كَالنَّوْرِ).

1 / 226