212

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

জনগুলি

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) احْتَجَّ بَعْضُهُم عَلَى عَدَمِ قَتْلِ السَّاحِرِ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ سَحَرَهُ!
وَالجَوَابُ:
قَدْ تَقَدَّمَ عَمَلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَتْلِ السَّاحِرِ، وَلَكِنَّ سَبَبَ عَدَمِ القَتْلِ هُنَا - أَيْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لِمَنْ سَحَرَهُ - هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
أ) أَنَّ سَاحِرَ أَهْلِ الكِتَابِ مُسْتَثْنَى مِنَ القَتْلِ، لِأَنَّ الأَصْلَ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا السَّاحِرُ الَّذِيْ أَصْلُهُ مُسْلِمٌ؛ فَهُوَ مُرْتَدٌّ مُبَدِّلٌ لِدِيْنِهِ.
وَفِي الحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ - يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ الله - إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِيْنِهِ؛ المُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (١) (٢)
ب) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ دَرْءًا لِلفِتْنَةِ، كَمَا فِي نَفْسِ الحَدِيْثِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂، وَفِيْهِ (فَقُلْتُ: يَا رَسُوْل اللهِ؛ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ! قَالَ: (لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ). (٣) (٤)
جـ) أَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلنَّبيِّ ﷺ؛ وَقَدْ عَفَا عَمَّن سَحَرَهُ. (٥)

(١) البُخَارِيُّ (٦٨٦٧)، وَمُسْلِمٌ (١٦٧٦).
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٢٧٧/ ٦) - تَعْلِيْقًا عَلَى تَبْوِيْبِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: بَابُ هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِيِّ إِذَا سَحَرَ -: (قَالَ ابْنُ بَطَّال: لَا يُقْتَلُ سَاحِرُ أَهْلِ العَهْدِ لَكِنْ يُعَاقَبُ، إِلَّا إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ، أَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الجُمْهُوْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ؛ نُقِضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ).
وَقَالَ العَيْنِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (عُمْدَةُ القَارِي) (٦٣/ ١٤): (وَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الكِتَابِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ كَمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ المُسْلِمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ وَأَحْمَدُ: لَا يُقْتَلُ لِقِصَّةِ لَبِيْدِ بْنِ أَعْصَمٍ).
(٣) وَهُوَ لَفْظٌ لِمُسْلِمٍ (٢١٨٩).
(٤) اعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ هَذَا الحَدِيْثِ فِي شَأْنِ اسْتِخْرَاجِ السِّحْرِ وَقَتْلِ السَّاحِرِ مُتَنَوِّعَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَلَمْ أَجِدْ مَا يَرْوِي الغَلِيْلَ إِلَّا مَا وَجَّهَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (كَشْفُ المُشْكِلِ مِنْ حَدِيْثِ الصَّحِيْحَيْن) (٣٤١/ ٤)، فَقَالَ ﵀: (وَقَوْلُهَا: أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ وَفِي لَفْظٍ فَهَلَّا أَحْرَقْتَهُ؟ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الَّذِيْ سُحِرَ فِيْهِ، إِلَّا أَنَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيْقٍ آخَرَ وَفِيْهِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَفَلَا تَأْخُذُ الخَبِيْثَ فَتَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ: (أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانيَ اللهُ؛ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيْرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِشَارَةَ إِلَى اليَهُوْدِيِّ السَّاحِرِ! وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لِلسَّاحِرِ وَذَلِكَ لِلسِّحْرِ).
قُلْتُ: وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ اسْتَخْرَجَ السِّحَرَ أَصْلًا وَحَلَّهُ، كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (١٩٢٦٧)، وَالنَّسائيِّ فِي الكُبْرَى (٣٥٢٩) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمٍ بِلَفْظِ (فَاسْتَخْرَجَهَا فَجَاءَ بِهَا فَحَلَّلَهَا). وَأَوْرَدَهُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيْحَةِ (٢٧٦١) بِلَفْظِ (فَأَمَرَهُ أَنْ يَحُلَّ العُقَدَ - أَيْ: لِعَليٍّ -).
(٥) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٢٣٦/ ١٠): (وَإنَّمَا لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ ﷺ لَبِيْدَ بْنَ الأَعْصَمِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ خَشِيَ إِذَا قَتَلَهُ أَنْ تَثُوْرَ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ مِنْ نَمَطِ مَا رَاعَاهُ مِنْ تَرْكِ قَتْلِ المُنَافِقِيْنَ سَوَاءً كَانَ لَبِيْدُ يَهُوْدِيًّا أَوْ مُنًافِقًا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الاخْتِلَافِ فِيْهِ).

1 / 212