وإذا تحققت العبودية في فطرة الإنسان، وتحقق عدم أهليته للملكية كان فقيرا بفطرته، والفقر يقتضي الحجر وعدم التصرف إلا بإذن وسلطان من المالك الحق.
وإذا كان الإنسان في أصل الفطرة على ما وصفنا من العبودية والفقر يعيش على تلك البسيطة الهائلة من الأرض، ولا يستطيع النفوذ من أقطارها، كان مقامه عليها على تلك الصورة بحكم الحبس للمحنة والابتلاء، ولا يتصورها مملكة إلا من عجز عن إدراك الفطرة، واتخذ إلهه هواه، وادعى الحرية، وعلا في الأرض على الملوك على مدرجة الضلال.
والبلاء الذي يمتحن به الإنسان هو اختلاف بني جنسه حول تلك الحقائق الفطرية اختلافا هائلا، ومن وجهات مختلفة، فاختلف الناس حول الإذعان لتلك الحقائق، أو ادعاء ضدها من الحرية والغنى والحاكمية والسيادة، ثم اختلفوا حول الحق حينما اتفق بعضهم على أن عبودية الإنسان جبلة فطرية في أصل خلقته، ثم اختلقوا طرائق وشواكل حول الغيبيات كلها، لا سيما البعث الذي شكل الخلاف حوله مذهبا دهريا على حكمة الفطرة من أولها إلى آخرها، فكان بعث الرسل وإنزال الكتب ضرورة لا محيص عنها؛ لإقامة الحجة، وهداية الناس، وحمايتهم من عواقب الخلاف حول الفطرة، وإن كان الخلاف في أصله هو الآخر فطرة وسنة من سنن الله في الخلق {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} 1، فإن الكتب والرسالات كانت لقمع الجنوح النفسي تحت تأثير الخلاف إلى فوضى مدمرة لا تبقي ولا تذر.
كان من أمهات المسائل التى عني القرآن بفصل القول فيها: مسألة العبودية لله، ومسألة البعث للجزاء والكشف عن الحقيقة العظمى التي
পৃষ্ঠা ২৭