প্রাসাদের রহস্য: রাজনৈতিক, ঐতিহাসিক, প্রেমমূলক, সাহিত্যিক
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
জনগুলি
ونقلت نعمت هانم حديث ابنها إلى عائشة، فخافت من وعيد حبيبها وهجرها، فرضيت بما طلب، وبمباشرة احتفال العرس، وطار قلب صلاح الدين فرحا، ونسي السياسة والأحزاب والإصلاح، وغفر ما كان للسلطان من الذنوب والمعائب، ولا غرابة فعين الرضى عن كل عيب كليلة.
وضربوا موعدا للاحتفال بمراسم العرس 15 ديسمبر، فاكتظ البيت بالمهنئين والمهنئات، وكان حميد باشا الذي رافق ابنه إلى سالونيك يستقبل في السلاملك وفود المهنئين، ونعمت هانم تستقبل النساء اللائي كن يساعدنها على تزيين عائشة المسكينة فألبستها ثوبا حريريا ناصع البياض مطرزا بالقصب، وأسبلن قناعا طويلا على وجهها، وأديرت المرطبات والحلويات، وتمت جميع الطقوس والعوائد الجارية في تلك البلاد. ولما كانت العادة كما لا يخفى أن يدخل العريس ويقود عروسه إلى الغرفة المعدة لهما، دعي صلاح من السلاملك للدخول إلى الحرم، فقام وقلبه مفعم فرحا، ولما قدم إليها يده قال لها همسا: الحمد لله أنت لي منذ الآن؟ فقالت له عائشة بصوت مرتجف: وهل تبقى على حبك؟ فأجابها: إلى آخر نسمة من حياتي. فقالت: إذن وقد أمر الله تعالى بذلك فاكشف قناعي. فمد صلاح الدين يده بلهفة، ورفع القناع وهم بتقبيلها، فلما شاهد وجه حبيبته على تلك الحالة من التشويه نفر منها وصاح مذعورا وقد غطى وجهه بكلتا يديه أهكذا أعطيت لي؟ فكاد الغم يخنق عائشة فتقدمت إلى حبيبها، وقالت له: ألا تريد أن تقبل عائشة المسكينة؟ فرفع صلاح الدين وجهه يريد تقبيلها، ولكن لما شاهد البثور والندوب في وجهها لم يقدر أن يملك نفسه من التردد والاشمئزاز، وخاف أن يسوءها، فأراد إصلاح خطأه ، ولكن هيهات، فإن عائشة لما رأت ذلك النفور من حبيبها ركضت إلى النافذة، وألقت بنفسها إلى البحر قائلة: لا أكون لك عروسا بلا حب، وهب صلاح الدين يريد مسكها ومنعها، فلم يتمكن إلا من مشاهدة جثة حبيبته تخبط في اليم.
فصاح صيحة تراكضت لها النساء، فوجدنه يحاول إلقاء نفسه في البحر، فأمسكنه وتعلقن به، وهو يحاول التملص من أيديهن جاحظ العينين ضائع الهدى، والنساء يصرخن ويستغثن، وإذ بيد من حديد قبضت على صلاح الدين وصوت يقول له: هذه ساعة الرجولة فإن عائشة كانت مائتة لا محالة، إن غبار الماس سم الأستانة هو سبب هلاكها، فيجب أن تعيش لتأخذ بثأرها، وهذا رجاء والدتك إليك ودعاء عائشة أيضا. كان ذلك الصوت صوت والدته، فانتبه صلاح الدين لهذا الكلام كمن أفيق من سبات عميق، وقال: حقا نطقت ... وصدقا قلت.
الفصل الثاني عشر
تعيين محمود باشا خلفا لعالي باشا
من أصعب الأمور على رجل عادي أن يخلف رجلا عظيما اشتهر بسمو الأفكار، وتوقد الذهن، والدهاء السياسي في منصبه، وهكذا صعب على محمود باشا الذي ولاه السلطان عبد العزيز الصدارة العظمى خلفا لذلك الوزير الخطير الذي هيهات أن يأتي الزمان بمثله في تركيا. وقد تبوأ محمود باشا منصة ذلك المنصب الرفيع، ولم ينظر إلى عواقبه ونتائجه؛ لأن فخامته كان من مذهب القائلين: «ومن بعدي الطوفان» لا هم له إلا ملء كيسه وزيادة ثروته، ومن ثم اكتساب ثقة السلطان ورضى حاشيته، ولم يكن يقدر لغيرهم قدرا، بل لم يكن يهمه أحد ما دام السلطان الآمر المستبد. وكان حزب تركيا الفتاة يحرق الإرم لدى كل مظلمة، وعند كل قرض، وعلى الأخص لما شرع الصدر باضطهاد رجاله، فنفى منهم كثيرا وعزل جميع المأمورين الذين اتهموا بالانتماء إلى الحرية والإصلاح، وبدأت زوبعة تلك الثورة بإلغاء الجرائد وتقييد الأقلام والضغط على الأفكار، وكان الكدر يتعاظم ويشتد، ولكنه كان كالنار كامنا تحت الرماد.
هكذا كانت حالة تركيا في أواخر عهد السلطان عبد العزيز في صدارة محمود باشا، وكان سفير روسيا شديد التمسك به رغما عن مقاومة الوزراء له، فتمكن بدهائه من إقناع السلطان بأنه الوزير الوحيد في تركيا الذي يوافق بقاؤه حرصا على تركيا وحفظا لصوالحها. وكانت روسيا مشاهدة بأن كل سنة من صدارة محمود باشا تنقص خمسين عاما من عمر تلك الدولة التي طالما تمنت وحاولت ابتلاعها. وبعد أن كانت أحوال الدولة قد تحسنت في بداءة عهد السلطان عادت فسقطت، وانحط اسمها ومقامها في أوروبا، واضطرمت نيران الثورة في أنحائها، ولم يكن الصدر الأعظم المذكور معتمدا على سفير روسيا في الأستانة فقط، بل على الحرم السلطاني أيضا؛ لأنه كان متزوجا من شقيقة السلطان عبد العزيز نفسه، وكانت كلما مرت الأيام تزداد الأحوال سوءا، فصارت تركيا على شفيرها والسلطان محتجب لا يخرج من سرايه إلا كل جمعة للصلاة في جامع طلمه بغجه المحاذي لقصره، ويخرج في المساء فيختبئ في إحدى مقصورات بستانه يقتل الوقت، ويزيل السآمة بشرب العرق ومسامرة الندماء.
ففي مساء يوم الجمعة (26 أبريل 1876) طلب الصدر الأعظم من السلطان الدخول عليه، وكانت قد تغيرت سحنته كثيرا واشتد سمنه وشاب مفرقه، واستولت عليه الكآبة وخامره سوء الظن والريبة بمن كان يقرب منه، فلما وجد محمود باشا مولاه على تلك الحالة من الضجر والقلق أخذ يحاول تسليته وترويح فؤاده، فيسرد على مسامعه النكات الظريفة والفكاهات اللطيفة، وهو يائس لا يلذ له شيء، وكان السلطان مغرما في مشاهدة مقاتلة الديوك فصار يكرهها، وأخيرا تجاسر الصدر الأعظم، فقال لمولاه مخاطبا: أي مولاي لم تسيء الظن إلى هذا الحد برعيتك؟ فقد أرسل إلي ناظر الشرطة هذا الصباح تقريره مبشرا بأن الأمن في غاية ما يكون من الاستتباب والراحة شاملة جميع طبقات الرعية الداعية لك بالتأييد والنصر، ومع ذلك فإن جلالتك لا تخرج من القصر إلا نادرا محتاطا بالجنود محترسا متحفظا.
فأجابه السلطان: ومع ذلك ألا يوجد إلا هم لحماية سلطانهم عند الشدة؟ - لم يا مولاي هذه الأفكار والهواجس؟ ألا تعلم أنك أعظم سلطان تنسم عرش آل عثمان ...؟ روسيا عدوتنا اللدودة قد انقلبت تتزلف إلينا ودانت لنا صاغرة ... هذه الأستانة قاعدة السلطنة صارت تضاهي أعظم عواصم أوروبا ... ها أوروبا قد أصبحت بأجمعها تتزاحم لاكتساب رضانا، فهل تريد من مزيد يا مولاي؟
فانتصب السلطان واقفا عند سماعه هذا الكلام، وقال: أنت خادم أمين يا محمود، وتريد أن تخفف قلقي واضطرابي، ولكن هل تخالني جاهلا أن عدوي في بلادي نفسها، وأن حزب تركيا الفتاة يترقب وفاتي لتنصيب مراد ابن أخي؟
অজানা পৃষ্ঠা