প্রাসাদের রহস্য: রাজনৈতিক, ঐতিহাসিক, প্রেমমূলক, সাহিত্যিক
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
জনগুলি
وكان ذلك البيت الصغير ملكا لفاطمة هانم تمكنت من مشتراه من فضلات نعم المرحوم محمد باشا داماد وعطاياه، وفي هذا البيت أخفت عائشة منذ ست عشرة سنة خوفا عليها من انتقام السلطانة علية هانم، وكان الحزن والفرح يتلاعبان بقلب صلاح الدين؛ تارة يتغلب عليه الحزن خشية من مفاجأة موانع قوية تحول دون مرامه، وطورا يسود على قلبه الفرح؛ لأنه أصبح ومليكة فؤاده تحت سقف واحد، وإذا بفاطمة هانم دعته إلى دخول غرفتها في الحرم، وكانت قد تربعت على ديوان من الحرير الدمشقي وتقنعت بمنديل ناصع البياض، ولما رأت صلاح الدين يتردد في الدخول صاحت به: تفضل بك أفندي أنا، عجوز لا خوف علي من محادثة الرجال، وإذا كنت قد استدعيتك لمفاوضتك خلافا للعادة التركية التي تقضي على الأم ألا تتظاهر بالاهتمام في تزويج ابنتها فذلك الأمر مهم، وإذا كنت فضلت مقابلتك على مقابلة والدتك التي تنازلت إلى زيارتي، فهو لأن الوقت ضيق والأمر مستعجل حرج ... إني شاعرة بك أفندي بدنو أجلي، ثم التفتت إلى الباب لترى إذا كان وراءه منصت، وجلس صلاح الدين على طرف الديوان باحترام خافض النظر يتساءل إذا كانت تلك العجوز هي والدة مليكة فؤاده حقيقة أو أن سرا يرفرف فوقها. فقال لها صلاح: قد أحسنت بما فعلت من حيث استدعائي، والله أسأل أن يطيل عمرك ويحفظك طويلا لابنتك، أما أنا فإني مستعد للإقدام على كل شيء برهانا على اعتباري لك وامتثالي لأوامرك، وخصوصا لحبي الشديد لعائشة هانم. - إذن أنت تحب الابنة بإخلاص تام. - نعم، أحبها حبا شديدا من كل جوارحي. - وهل ترى من نفسك قوة لاقتحام الأخطار المحدقة بها توصلا إلى الاقتران؟ - نعم، لا شيء يثنيني عن حبها. - إذن حبك متين، وليس حبا زائلا يتكسر في أول ساحل. - أجل هانم أفندي حبي أصدق مما تظنين، وأمتن ما ضرب في الحب عهود، فهو ولئن نشأ عن نظرة لا يقل شيئا عما لو كان تولد عن أيام وسنين، فكأن الشاعر أنشد لسان حالي حين قال:
وما هي إلا لحظة بعد لحظة
إذا نزلت في قلبه رحل العقل
جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي
فأصبح لي عن كل شغل بها شغل
فقالت العجوز: ولكن أتعرف من هي عائشة؟ - هي جميلة وطاهرة، وقد اختارها قلبي عروسا لي وكفى. - ألا تخشى أن تكون من بيت وضيع. - بيتها كيفما كان هو خير عندي من قصور الملوك والأمراء. - جزيت خيرا ووقيت ضيرا ... قد تحقق الآن لدي ما كنت سمعته من الثناء عليك، وكشفت لي ما أنت تطويه من الشهامة والمروءة التي أقر لك بها أعداؤك قبل أصدقائك، وكفاك فخرا فإن الفضل ما شهدت به الأعداء. ثم تبسمت وقالت: أتظنني كنت جاهلة جولانك حول البستان، وكيف كنت وعائشة تتسارقان الحديث؟ كلا، كنت واقفة على كل شيء؛ إذ لا شيء يخفى على لب والدة، أو بالحري على صديقة مخلصة، فقد أزف الوقت الذي يجب أن أبوح لك فيه بسري ... ثم صمتت قليلا والتفتت إلى الباب، ثم قالت همسا ... أي بك أفندي نعم لست بوالدة عائشة ...
فلم يجب صلاح الدين بشيء؛ لأنه كان قد خامره الريب بذلك، فقالت: يجب أن أقص عليك الخبر، وأطلعك على كل شيء؛ لتعرف كم كلفت الحورية التي أحببتها من الدم والدمع ... وشرعت تقص عليه مأساة إقبال هانم - كما ذكرناها سابقا - فارتجف قلب صلاح الدين من تلك القسوة البربرية، وطار قلبه شعاعا لما فهم خبر مقتل والدة حبيبته بالتفصيل فصاح: ولكن أيمكن ارتكاب مثل هذه الفظائع في أيامنا هذه؟ - نعم ... الانتقام هائل، وأشد هولا منه متى كان لا مرد له. - من يعلم هانم أفندي إذا كان لا يأتي يوم يخشى فيه السلاطين رعاياهم. - لسنا بعد لسوء الطالع في أوروبا، والسلطان لا يزال الآمر المطلق بلا قيد ولا نظام ... هذه مشيئة الله. - كلا إن الله - سبحانه وتعالى - لا يرضى بخراب مملكته، فهي صائرة إلى الخراب والاندثار إذا بقيت في أيدي الظلمة العتاة. - أرجوك بك أفندي بإلحاح ألا تتداخل في الأحزاب السياسية ... دع التقادير تجري في أعنتها، ودع الرجال يسيرون كيفما شاءوا، وأنت إذا شئت أن تكون عائشة عروسا لك إياك إياك والانضمام إلى الحزب الذي يلقب نفسه بحزب الإصلاح، أولئك الذين عادوا من أوروبا وقد ملئوا رءوسهم من الأفكار الحرة الجديدة التي يستحيل إجراؤها، فيجب على الإنسان أن يحب الله قبل عائلته وعائلته قبل وطنه ... - لا هانم أفندي لا أخالك تشترطين علي جحود وطني ... ولكن خفضي عنك: فلي يمين أساعد بها وطني، وقلب أحب به امرأتي ... •••
وعاد صلاح الدين إلى «أورطه كي» عند منتصف الليل، فقضى ثلاثة أرباع الساعة في البوسفور؛ لأن الهواء كان معاكسا، فلما وصل إلى قرب البيت وجد الأنوار تتدفق من جميع نوافذه، فظن أن زائرا كريما جاءهم في أثناء غيابه، فلما دخل السلاملك وجد صناديق سفره وأمتعته توضع فيها باعتناء، فصاح بالخدم: ما هذا؟ ولمن هذا الاستعداد؟ - لسفر سعادتك. - لسفر من؟ - لسفر سعادتك؛ إذ ميعاد السفر الساعة واحدة، وها قد أزفت الساعة.
فحار صلاح الدين في أمره، وظن نفسه في منام، أو أن الخدم اعتراهم الجنون، فدفع باب غرفة الاستقبال فوجد والده الشيخ مع صديقه حسن الشركسي وبعض الجيران بانتظاره يتحدثون. فصاح به والده قد أطلت الغيبة ونحن هنا جميعا بانتظارك، وقام حسن يصافحه، وهو يقول: إني بانتظارك منذ ساعتين، وقد جئت ناقلا إليك إرادة سنية تقضي عليك بالسفر الساعة مع ك ... باشا الذي سيركب الباخرة «سلطانية» إلى مرسيليا قاصدا باريس لتقديم أربعة رءوس من الجياد العربية هدية إلى الإمبراطور نابليون الثالث، وقد اختار جلالة السلطان أن تكون بمعية الباشا. - ولكن من ذا الذي أشار على السلطان باختياري لهذه المهمة، فلا أخفي عليك بأني مستاء من هذه البعثة خصوصا في الظروف الحاضرة. - أعرف ذلك ... ولكن لا أدري سبب هذا الاختيار، ومهما كان الأمر فغيبتك ستكون قصيرة الأجل إن شاء الله. ثم انزوى مع صديقه وقال له همسا: بلغني أن السبب في هذه البعثة هو أن السلطان قد باغتك صباح يوم تحدث فتاة مسلمة على قارعة الطريق ... طريق بيكلر بك ... أتذكر ذلك، وأنت تعلم صرامة السلطان في وجوب الحرص على عوائد المسلمين ... وقد جاء من أوروبا أكثر صرامة من ذي قبل. - ولكن هذه الفتاة هي خطيبتي ... وستكون عن قرب امرأتي. - السلطان يجهل هذا على كل حال، ولكن العقاب ليس بصارم ... - فتنهد صلاح الدين من قلب مقروح؛ لأنه كان مضطرا للسفر إلى أوروبا دون أن يمتع طرفه برؤية مليكة فؤاده ووداعها، ثم التفت إلى صديقه، وقال له: أي حسن أنت صديقي وخليلي، وأنت سندي وعمادي، وأنت عالم بحبي لعائشة، فهل أحتاج بعد الآن إلى توصيتك بها ... كن لها أخا وسندا؛ لأن أعداءها قديرون. - لا تخش شيئا، وضع ثقتك بأخيك، وتوكل على الله. - إذن لم يبق علي إلا وداع والدتي، انتظرني قليلا ... سنعود إلى إستانبول سوية.
ودخل صلاح الدين إلى الحرم يقضي لدى والدته واجب الوداع، وعاد حسن إلى السلاملك والناس يبالغون في ملاطفته، ويهنئونه بترقية رتبته إلى أميرالاي؛ إذ علموا أن السبب كان حظوة شقيقته مهرى في عين السلطان عبد العزيز، وكانت قد أحست الباش هانم في السراي الهمايوني بعد أن كانت جارية فيه.
অজানা পৃষ্ঠা