٣٤ - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكُ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرِضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَقَدْ كَادَ يَدْعُو اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى آلِ رِفَاعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى «الْبَدِيعِ»: إِنَّهُ الْمُبْدِعُ وَهُوَ مُحْدِثُ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١٧] أَيْ مُبْدِعُهُمَا وَالْمُبْدِعُ مَنْ لَهُ إِبْدَاعٌ فَلَمَّا ثَبَتَ وُجُودُ الْإِبْدَاعِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ لِعَامَّةِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ، اسْتَحَقَّ أَنْ يُسَمَّى ⦗٧١⦘ بَدِيعًا أَوْ مُبْدِعًا وَمِنْهَا " الْبَارِئُ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: ٢٤] وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ ﵀: وَهَذَا الِاسْمُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُوجِدُ لِمَا كَانَ فِي مَعْلُومِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] وَلَا شَكَّ أَنَّ إِثْبَاتَ الْإِبْدَاعِ وَالِاعْتِرَافَ بِهِ لِلْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ لَيْسَ يَكُونُ عَلَى أَنَّهُ أَبْدَعَ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ سَبَقَ لَهُ بِمَا هُوَ مُبْدِعُهُ، لَكِنْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِمَا أَبْدَعَ قَبْلَ أَنْ يُبْدَعَ، فَكَمَا وَجَبَ لَهُ عِنْدَ الْإِبْدَاعِ اسْمُ الْبَدِيعِ، وَجَبَ لَهُ اسْمُ الْبَارِئُ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَارِئِ قَالِبُ الْأَعْيَانِ، أَيْ أَنَّهُ أَبْدَعَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَالنَّارَ وَالْهَوَاءَ لَا مِنْ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا الْأَجْسَامَ الْمُخْتَلِفَةَ كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] وَقَالَ: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾ [ص: ٧١]، وَقَالَ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الروم: ٢٠]، وَقَالَ: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [النحل: ٤]، وَقَالَ: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ [الرحمن: ١٥]، وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٢] فَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ بَرَأَ الْقَوَّاسُ الْقَوْسَ إِذَا صَنَعَهَا مِنْ مَوَادِّهَا الَّتِي كَانَتْ لَهَا فَجَاءَتْ مِنْهَا لَا كَهَيْئَتِهَا، وَالِاعْتِرَافُ لِلَّهِ ﷿ بِالْإِبْدَاعِ يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ لَهُ بِالْبَرْءِ إِذْ كَانَ الْمُعْتَرِفُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، إِلَى أَنْ صَارَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الِاعْتِقَادِ وَالِاعْتِرَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا «الذَّارِئُ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمُنْشِئُ وَالْمُنَمِّي، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] أَيْ جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لِيُنْشِئَكُمْ وَيُكَثِّرَكُمْ وَيُنَمِّيكُمْ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ ⦗٧٢⦘ الذَّرْءَ مَا قُلْنَا، وَصَارَ الِاعْتِرَافُ بِالْإِبْدَاعِ يُلْزِمُ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالذَّرْءِ مَا أَلْزَمَ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْبَرْءِ
1 / 70