Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
প্রকাশক
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
প্রকাশনার স্থান
https
জনগুলি
يحتمل أنه ﵇ لم يبين ذلك؛ قصدًا للتستر عليهما خوفًا من الافتضاح، وهو عمل مستحسن، ولا سيما من حضرة النبي الأعظم ﵇ الذي من شأنه الرحمة والرأفة على عباد الله تعالى، ويحتمل أنه قد بينه؛ ليحترز عنه غيره عن مباشرة ما باشر صاحب القبرين، ولكن الراوي أبهمه عمدًا، كما ذكرنا) انتهى.
قلت: ويؤيد الأول أن عادته ﵇ الإبهام عن مثل ذلك، فإن عائشة ﵂ حين أرادت شراء بريرة وشرطوا عليها الولاء؛ فأخبرت بذلك النبي ﵇، فأمرها بالشراء، وصعد المنبر، وقال: «ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله ﷿...» إلى آخر القصة، فأبهم الشارط، وهذه عادته ﵇؛ سترًا على أمَّته.
فإن قلت: قد ذكر القرطبي عن بعضهم: أن أحدهما كان سعد بن معاذ ﵁.
قلت: قد ردَّه في «عمدة القاري»: (بأن هذا قول فاسد لا يُلتَفَتُ إليه، ومما يدل على فساده أنَّ النبي الأعظم ﵇ حضر جنازته كما ثبت في «الصحيح»، وسماه النبي ﵇ سيدًا، حيث قال لأصحابه: «قوموا إلى سيدكم»، وقال: «إن حكمه وافق حكم الله تعالى»، وقال: «إن عرش الرحمن اهتز لموته»، وغير ذلك من مناقبه العظيمة، وقد حضر النبي ﵇ دفن المقبورين دل عليه حديث أبي أمامة رواه أحمد، ولفظه: أنه ﵇ قال لهم: «من دفنتم اليوم ههنا؟»، ولم ينقل عنه (^١) ﵇ ما ذكره القرطبي عن البعض، فدل ذلك على بطلانه في هذه القضية) انتهى.
(فقال النبي) الأعظم ﷺ: يُعَذَّبان)؛ أي: الإنسانين، وفي حديث أبي بكرة من «تاريخ المؤلف» بسند جيد: مر النبي ﵇ بقبرين، فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أمَّا أحدهما؛ فيُعَذَّبُ في البول، وأمَّا الآخر؛ فيُعَذَّب في الغيبة»، وفي حديث أبي هريرة من «صحيح ابن حبان»: مر ﵇ بقبر، فوقف عليه، وقال: «ائتوني بجريدتين، فجعل إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه يخفف عنه بعض عذاب القبر»، وهو عند أبي موسى بلفظ: «قبرين؛ رجل لا يتطهر من البول، وامرأة تمشي بالنميمة»، وعند ابن أبي شيبة من حديث يعلى بن شبابة: مر ﵇ بقبر يُعذَّب صاحبه، فقال: «إن هذا القبر يُعَذَّبُ صاحبهُ في غير كبير»، ولمَّا ذكره البرقي في «تاريخه»؛ فقال: «قبرين؛ أحدهما: يأكل لحوم الناس ويغتابهم، وكان هذا لا يتقي بوله»، وفي حديث الأعمش عن جابر: دخل النبي ﵇ حائطًا لأبي مبشر، فإذا بقبرين؛ فدعا بجريدة رطبة فشقها، ثم وضع واحدة على أحد القبرين، والأخرى على الآخر، ثم قال: «لا يرفعان عنهما حتى يجفا»، وقال: «أمَّا أحدهما؛ فكان يمشي بالنميمة، والآخر كان لا يتنزه من البول»، وفي حديث أنس: مر ﵇ بقبرين من بني النجار يعذبان في النميمة والبول، فأخذ سعفة رطبة فشقها، وجعل على ذا نصفًا، وعلى ذا نصفًا، وقال: «لا يزال يخفف عنهما العذاب ما داما رطبتين»، وورد في عذاب القبر أحاديث كثيرة، كذا في «عمدة القاري».
(وما يُعَذَّبان في كبير)؛ بالموحدة، و(ما): نافية على الأظهر؛ أي: بكبير تركه عليهما إلا أنه كبير من حيث المعصية، وقيل: يحمل (كبير) على أكبر؛ تقديره: ليس هو أكبر الذنوب؛ إذ الكبائر متفاوتة، وقال القاضي عياض: إنه غير كبير عندكم؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥]، وذلك أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة وتركها كبيرة، وفي «شرح السنة»: (ومعنى: «وما يعذبان في كبير»: أنهما لا يعذبان في أمر كان يكبر ويشق عليهما الاحتراز عنه؛ إذ لا مشقة في الاستتار عند البول، وترك النميمة، ولم يُرِد أنهما غير كبير في أمر الدين)، وقال المازري: (الذنوب تنقسم: إلى ما يشق تركه طبعًا؛ كالملاذ المحرمة، وإلى ما ينفر منه طبعًا؛ كتارك السموم، وإلى ما [لا] يشق تركه طبعًا؛ كالغيبة والبول)، كذا في «عمدة القاري».
ثم قال: وفيه: أن عذاب القبر حق حتى يجب الإيمان به والتسليم له، وعلى ذلك أهل السنة والجماعة خلافًا للمعتزلة، ولكن ذكر القاضي عبد الجبار رئيس المعتزلة في «الطبقات»: (إن قيل: مذهبكم أدَّاكم إلى إنكار عذاب القبر، وهو قد أطبقت عليه الأمة؛ قلت: إن هذا الأمر إنَّما أنكره أولًا ضرار بن عمرو لما كان من أصحاب واصل ظنوا أن ذلك بما أنكرته المعتزلة، وليس الأمر كذلك، بل المعتزلة رجلان؛ أحدهما: يجوِّز ذلك كما وردت به الأخبار، والثاني: يقطع بذلك، وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك، وإنما ينكرون قول جماعة من الجهلة: إنهم يعذبون وهم موتى، ودليل العقل يمنع من ذلك)، ونحوه ذكره أبو عبيد الله المرزباني في «الطبقات»، وقال القرطبي: إن الملحدة ومن يذهب مذهب الفلاسفة أنكروه أيضًا، والإيمان به واجب لازم حسب ما أخبر به الصَّادق ﵇، وإن الله يحيي العبد ويرد إليه الحياة والعقل، وهذا نطقت به الأخبار، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك يكمل العقل للصغار؛ ليعلموا منزلتهم وسعادتهم، وقد جاء أن القبر ينضمُّ عليه كالكبير، وصار أبو الهذيل وبشر إلى أن من خرج عن سمة الإيمان؛ فإنه يُعَذَّبُ بين النفختين، وإأن المسألة إنَّما تقع في تلك الأوقات، وأثبت البلخي والجبائي وابنه عذاب القبر، ولكنهم نفوه عن المؤمنين، وأثبتوه للكافرين والفاسقين، وقال بعضهم: عذاب القبر جائز، وإنه يجري على الموتى من غير رد روحهم إلى الجسد، وإن الميت يجوز أن يتألم ويحس، وهذا مذهب جماعة من الكرامية، وقال بعض المعتزلة: إن الله تعالى يعذب الموتى في قبورهم، ويحدث الآلام وهم لا يشعرون، فإذا حشروا؛ وجدوا تلك الآلام، وأمَّا باقي المعتزلة مثل: ضرار بن عمرو، وبشر المريسي، ويحيى بن كامل، وغيرهم؛ فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلًا، وهذه الأقوال كلها فاسدة تردُّها الأحاديث الثابتة، وإلى الإنكار أيضًا ذهب الخوارج وبعض المرجئة، ثم المُعَذَّبُ عند أهل السنة: الجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إلى جسده أو إلى جزئه، وخالف في ذلك محمد بن جرير وطائفة، وقالوا: لا يشترط إعادة الروح، وهذا أيضًا فاسد، والله أعلم، انتهى.
(ثم قال)؛ أي: النبي الأعظم ﷺ: (بلى)؛ معناه: أي: إنَّه لكبير، وقد صرح بذلك المؤلف في رواية من طريق عبيدة بن حميد عن منصور، فقال: «وما يُعَذَّبان في كبير، وإنَّه لكبير»، وهذا من زيادات رواية منصور عن الأعمش، ومسلم لم يذكر الروايتين.
وقال الكرماني: فإن قلت: لفظ: (بلى) يختص بإيجاب النفي؛ فمعناه: بل إنهما ليُعَذَّبان في كبير، فما وجه التلفيق بينه وبين (ما يعذبان في كبير)؟ قلت: قال ابن بطال: (وما يعذبان بكبير)؛ يعني: عندكم، (وهو كبير)؛ يعني: عند الله تعالى، وقد ذكرناه، وقال عبد الملك البوني في قوله: «وإنَّه لكبير»: يحتمل أنه ﵇ ظن أن ذلك غير كبير، فأوحى الله إليه في الحال بأنه كبير، وفيه نظر، قاله في «عمدة القاري».
ووجهه أنه يستلزم أن يكون نسخًا، وهو لا يدخل في الخبر.
وأجيب: بأن الخبر بالحكم يجوز نسخه، وهذا منه، وأجيب عن أصل الإيراد: بأن الضمير في (وإنَّه لكبير) الذي في الرواية الثانية يعود على العذاب؛ لما في «صحيح ابن حبان» من حديث أبي هريرة: «يُعَذَّبان عذابًا شديدًا في ذنب هين»، وقيل: إن الضمير يعود على أحد الذنبين، وهو النميمة؛ لأنَّها من الكبائر بخلاف كشف العورة، ورد: بأنه ضعيف، ومع ضعفه غير مستقيم؛ لأنَّ الاستتار المنفي ليس المراد به كشف العورة فقط، وأجيب: بأن (كبير) المنفي؛ بمعنى: أكبر، والمثبت واحد الكبائر، وقيل: المعنى: ليس بكبير في الصورة؛ لأنَّ تعاطي ذلك يدل على الدناءة والحقارة، وهو كبير في الذنب، وقيل: ليس بكبير في اعتقاد المخاطبين، وقيل: ليس بكبير في مشقة الاحتراز عنه، وجزم بهذا البغوي، ورجحه ابن دقيق العيد وجماعة، وقيل: ليس بكبير بمجرده، وإنما صار كبيرًا بالمواظبة عليه، ويدل له لفظ السياق، فإنه وصف كلًّا منهما بما يدل على تجدده منه، واستمراره عليه؛ حيث إنه أتى بالمضارع بعد (كان)، واستظهر بعضهم أن يقال: إن (ما) مصدرية، وهي وصلتها في محل رفع على الابتداء، و(في كبير): خبره؛ أي: وتعذيبهما في كبير، وهذا معنى الرواية الصحيحة، ولا يمنع من ذلك ذكر (بل) المختصة بإيجاب النفي؛ لأنَّها تستعمل بعد الإيجاب، كما نقله الرضي؛ كقوله:
وقد بعدت بالوصل بيني وبينها... بل إن من زارَ القبورَ ليبعدا
سلمنا أنه لا بد من تقديم النفي،
(^١) زيد في الأصل: (أنه).
لكنهم قد يعطون الشيء حكم ما يشبهه في لفظه، كما فعلوا في (ما) المصدرية؛ عاملوها معاملة (ما) النافية في زيادة (إن) بعدها؛ كقوله:
ورَجِّ الفَتى لِلْخيرِ مَا إِنْ رأَيتَهُ... عَلَى السِّنِ خَيرًا لا يزالُ يَزيدُ
انتهى.
وفيه: أن (بعدت) في البيت الأول فيه معنى النفي، ولعلَّه لهذا قال: (سلمنا...) إلخ، وقد ذكر بعضهم: أن (في كبير) متعلق بـ (يُعَذَّبان) الأول، وجملة: (وما يُعَذَّبان) معترضة؛ أي: بين المتعلِّق والمتعلَّق، و(ما): استفهامية؛ للتعظيم وتأكيد للتعذيب؛ فتأمل، والله أعلم.
وقوله: (كان أحدهما لا يستَتِر من بوله)؛ استئناف بيانيٌّ وتعليل لما مر؛ بفتح المثناة فوق وكسر الثانية، من السترة؛ ومعناه: لا يستر جسده ولا ثوبه من مماسَّة البول، ووقع في رواية زيادة (كان) ثانيًا، فـ (كان) الثانية تأكيد لـ (كان) الأولى أو زائدة، والظاهر: أن معناه ما في رواية ابن عساكر: (لا يستَبْرئ)؛ بالموحدة الساكنة بعد المثناة الفوقية المفتوحة، من الاستبراء؛ وهو طلب البراءة من البول، وقيل: معناه ما في رواية مسلم وأبي داود من حديث الأعمش: (لا يستَنْزِه)؛ بمثناة فوقية مفتوحة، ونون ساكنة، وزاي مكسورة، بعدها هاء، من التنزه؛ وهو الإبعاد، وقيل: معناه ما في رواية: (لا يستَنْثِر)؛ بمثناة فوقية مفتوحة، ونون ساكنة، ومثلثة مكسورة، من الاستنثار؛ وهو طلب النثر؛ يعني: نثر البول عن المحل، وروي: (لا ينْتتر)؛ بمثناتين فوقيتين بعد النُّون الساكنة، من النتر؛ وهو جذب فيه قوةوجفوة (^١)، وفي الحديث: «إذا بال أحدكم؛ فليستنثر»، وروى أبو نعيم في «المستخرج»: (كان يتوقى)؛ بالقاف بعد الواو، لكن الظاهر أن معناه: الاستبراء، كما ذكرنا.
ففي الحديث: وجوب الاستبراء؛ أي: افتراضه، وهو حجة لإمامنا الأعظم رئيس المجتهدين، وحجة على الشافعي بقوله: إنه سنة، وذلك فإن المراد بعدم الاستتار من البول: أنه لم يطلب البراءة منه، بل تركه يجري على أفخاذه، أو يقطر على سراويله، ثم يتوضأ ويصلي، وهو على هذه الحالة كما يفعله الأتراك في زماننا، وما قيل: إن معناه: لا يستر عورته؛ بعيد؛ لأنَّ التعذيب لو وقع على كشف العورة؛ لاستقل الكشف بالسببية، فيترتب العذاب عليه دون البول مع أن الحديث ظاهر في دلالته على اعتبار البول في السببية لعذاب القبر، كالحديث الذي صححه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعًا: «أكثر عذاب القبر من البول»، بل المراد بالاستتار: الاستبراء، كما دلت عليه الرواية، وهو التحقيق، ويكون الاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة، كما ذكرنا، وعبر بالاستتار مجازًا عن الاحتراز؛ لأنَّ المستتر عن الشيء بعيد عنه، ومحتجب وهو شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وأيضًا فـ (من) لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو مجازًا؛ اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول؛ بمعنى: أن ابتداء سبب العذاب من البول، وإذا حمل على حقيقته؛ يلزم منه أن يكون سبب العذاب مجرد كشف العورة، وهو غير مراد، فتعين أن يكون المعنى ما ذكرناه، وتعين الحمل على المجاز؛ لتتفق ألفاظ الحديث على معنى واحد ولا تختلف، ويؤيده رواية أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه: (أمَّا أحدهما؛ فيُعَذَّبُ في البول)، ومثله عند الطبراني عن أنس، وكلمة (في): للتعليل؛ أي: يُعَذَّبُ بسبب البول.
ففي الحديث: دليل على نجاسة الأبوال مطلقًا سواء كانت من بني آدم أو غيره، ومذهب الإمام الأعظم وأصحابه: أنه يعفى في النجاسة المائعة عن قدر مقعر الكف، وفي الجامدة يعفى عن قدر الدرهم؛ لما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب ﵁: سئل عن قليل النجاسة، فقال: (مثل ظفري هذا لا يمنع)، وظفره كان قدر الدرهم، وبهذا قال إبراهيم النخعي، وقد رخص الكوفيون في مثل رؤوس الإبر من البول؛ لأنَّه لا يمكن الاحتراز عنه، وإنما كان المعفو قدر الدرهم؛ اعتبارًا للمشقة، وقياسًا على المخرجين، وسهل في البول القاسم بن محمد، ومحمد بن علي، والشعبي.
وفي «الجواهر» للمالكية: (أن البول والعذرة من بني آدم نجسان، وطاهران من كل حيوان مباح الأكل، ومكروهان من المكروه أكله)، وقيل: بل نجسان، وعامة الفقهاء لم يخففوا من الدم إلا اليسير.
واختلف أصحاب مالك في مقدار اليسير، والأرجح أنه قدر الدرهم الكبير، وهذا أيضًا مذهب رئيس المجتهدين الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه، وقال الشافعي: قليل النجاسة وكثيرها سواء، لا يُعْفى عن شيء منها إلا ما لا يدركه الطرف، وفي هذا مشقة وعسر وحرج، وهو مدفوع بالنص؛ فافهم، ولا حجة له في هذا الحديث؛ لأنَّه عُذِّبَ على عدم صحة وضوئه مع نزول البول، وهو عدم الاستبراء من البول، أو لأنَّه يفعله عمدًا بغير عذر، فيبقى على بدنه من النجاسة زائدًا على قدر المعفو عنه، ولا شك أن هذا يوجب العذاب مع ما يلزم عليه من أداء الصلاة بغير طهارة، وإن تعمد ذلك؛ يخشى عليه الكفر، ويكفر عند بعض العلماء، وتمامه في شرحنا «منهل الطلاب».
(وكان الآخر يمشي بالنميمة)؛ أي: يسعى بنقلها وإفشائها بين الناس، ولهذا قال بعضهم: حقيقة النميمة: إفشاء السر وهتك الستر عما يُكْرَهُ كشفه، وفاعلها يقال له: نمام، وفي حديث الشيخين: «لا يدخل الجنة نمام»، وفي رواية: (قتات)؛ بالقاف ومثناتين، النمام: الذي يكون مع الجمع يتحدثون حديثًا فينم عليهم، والقتات: الذي يستمع عليهم وهم لا يعلمون، ثم ينم، وعرَّفها في «عمدة القاري» بأنها هي نقل كلام الناس، وقال النووي: (هي نقل كلام الغير بقصد الإضرار)، قلت: وتفسير الإمام في «عمدة القاري» تفسير بالأعم.
ثم إن النووي قال: (والمشي بالنميمة من أقبح القبائح)؛ أي: من أكبر الكبائر، واعترضه الكرماني بأنه لا يصح على قاعدة الفقهاء؛ لأنَّهم يقولون: الكبيرة: هي الموجبة للحد، ولا حد على الماشي بالنميمة إلا أن يقال: الاستمرار المستفاد منه يجعله كبيرة؛ لأنَّ الإصرار على الصغيرة حكمه حكم الكبيرة، أو لا يريد بالكبيرة معناها الاصطلاحي.
وزعم ابن حجر: (وما نقله عن الفقهاء ليس قول جميعهم؛ لأنَّ كلام الرافعي يشعر ترجيحه؛ حيث حكى وجهين؛ أحدهما: هذا، والثاني: ما فيه وعيد شديد، قال: وهم إلى الأول أميل، والثاني أوفق)، ورده في «عمدة القاري»: (بأنه لا وجه لتعقيبه على الكرماني؛ لأنَّه لم يميز قول الجميع عن قول البعض حتى يعترض على قوله: (على قاعدة الفقهاء) على أن الذنب المستمر عليه صاحبه وإن كانت صغيرة؛ فهي كبيرة في الحكم، وفيه وعيد؛ لقوله: «لا صغيرة مع الإصرار») انتهى، وهو جواب صحيح، وعليه جرى القسطلاني حيث قال: (ويجاب عن استشكال كون النميمة من الصغائر بأن الإصرار عليها المفهوم هنا من التعبير بـ «كان» المقتضية له يصير حكمها حكم الكبيرة) انتهى، وقد ركب العجلوني هنا متن عمياء، وخبط خبط عشواء، والصواب ما علمته؛ فليحفظ.
وإنما خص البول والنميمة بعذاب القبر؛ لأنَّ القبر أول منازل الآخرة، وفيه نموذج ما يقع في القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يُعاقَب عليها يوم القيامة نوعان: حق الله تعالى، وحق العباد، وأول ما يقضى فيه من حقوق الله: الصلاة، ومن حقوق العباد: الدماء، وأما البرزخ؛ فيقضى فيه مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء النميمة، فيبدأ في البرزخ بالعقاب عليهما.
نسأله سبحانه العفو عن ذنوبنا والستر علينا، وأن يفرج عنا وعن المسلمين، ويكشف عنا هذا الضيق والمقت والقهر إنه على ما يشاء قدير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
(ثم دعا)؛ أي: النبي الأعظم ﷺ (بجريدة)؛ من جريد النخل، وفي رواية الأعمش: (بعَسِيب رطب)، وهو بفتح العين المهملة، وكسر السين المهملة، على وزن (فَعِيل)؛ نحو: (كَرِيم)؛ وهي الجريدة التي لم
(^١) في الأصل: (وهو حدث فيه قعرة وجفرة)، وهو تحريف.
1 / 95