Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
প্রকাশক
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
প্রকাশনার স্থান
https
জনগুলি
تعالى مجازٌ؛ لاستحالته في حقِّه تعالى، فالمراد لازِمُه، وهو إرادة إيصال الخير، ويسمَّى هذا المجاز: مشاكلةٌ ومقابلةٌ.
(وأمَّا الآخَر)؛ بفتح الخاء، (فاستحى)؛ أي ترك المزاحمة؛ حياءً من رسول الله ﵇ ومن أصحابه، وعند الحاكم: ومضى الثاني قليلًا ثم جاء فجلس، قال في «عمدة القاري»: معناه: استحى مِنَ الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث، اهـ؛ فليحفظ.
(فاستحيى اللهُ منه)؛ أي: جازاه بمثل فعله؛ بأنْ رحمه ولم يعاقبه، وهذا أيضًا من قبيل المشاكلة؛ لأنَّ الحياء تغيُّرٌ وانكسارٌ يَعتري الإنسان مِن خوفِ ما يُذَمُّ به، وهذا محالٌ على الخالق ﵎، فيكون مَجازًا عن ترك العقاب للاستحياء، فيكون هذا من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم، كما في «عمدة القاري».
(وأمَّا الآخَر)؛ أي: الثالث، (فأعرض) عن مجلس النبي الأعظم ﵇ ولم يلتفت إليه؛ بل ولَّى مُدبرًا، (فأعرض الله عنه)؛ أي: جازاه؛ بأنْ سخط عليه، وهذا أيضًا من باب المشاكلة؛ لأنَّ الإعراض: هو التفات إلى جهة أخرى، وذاك لا يليق في حقِّ الله تعالى، فيكون مَجازًا عن السُّخط والغضب، المجاز عن إرادة الانتقام.
والمراد في مثل هذه الإطلاقات: غاياتها ولوازمها، والعلاقة بين الحقيقي والمجازي اللزوم، والقرينة الصارفة هو العقل، وفي رواية: («وأمَّا الآخَر؛ فاستغنى فاستغنى الله عنه»)، ويَحتمل أنَّه كان منافقًا، فاطلع النبي الأعظم ﵇ عليه وعلى حاله وأمْره، وتمامُه في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.
وفي الحديث الثناءُ على مَن زاحم في طلب الخير، وجوازُ التخطِّي لسَدِّ الخلل ما لم يؤذ (^١)، وأنَّ مَن سبق إلى موضع من المسجد فهو أحقُّ به، وأنَّ من الأدب أن يجلس حيث ينتهي به المجلس، وأنَّ الإنسان إذا فعل قبيحًا؛ جاز أن يُنسب إليه، وأنَّ مَن أعرض عن مجالسة العلماء؛ فإنَّ اللهَ يُعرض عنه، وفيه استحبابُ التحلُّقِ للعلم والذِّكر وغير ذلك، والله أعلم.
(٩) [باب قول النبي: رب مبلغ أوعى من سامع]
هذا (باب قول النبي) الأعظم ﷺ: رُبَّ مُبَلَّغٍ) -بفتح اللام فقط- إليه عني يكونُ (أوعى)؛ أي: أفهم لما أقوله، (مِن سامعٍ) منِّي، و(قَوْلِ) مجرورٌ بالإضافة، و(رُبَّ) حرفُ جرٍّ يُفيد التقليل، لكنَّه كثُر استعماله في التكثير؛ بحيث غلب حتى صارت كأنَّها حقيقة فيه.
وقال الكوفيُّون: إنَّها اسم، وتنفرد (رُبَّ) عن أحرف الجرِّ بوجوب تصديرها وتنكير مجرورها ونعته إن كان ظاهرًا، وغلبةِ حذف معدَّاها ومضيه، وبزيادتها في الإعراب دون المعنى، ومحلُّ مجرورها رفعٌ على الابتداء، نحو قوله هنا: (رُبَّ مُبَلَّغٍ)، فإنَّه وإنْ كان مجرورًا بالإضافة لكنَّه مرفوعُ المحل على الابتداء، وخبره (يكون) المقدَّر، و(أوعى) صفة للمجرور، وأمَّا نحو: رُبَّ رجلٍ لقيت؛ فنصب على المفعولية، وفي نحو: رُبَّ رجل صالح لقيت؛ رفع أو نصب، وعلى مذهب الكوفيِّين: أنَّ (رُبَّ مُبَلَّغٍ)؛ كلامٌ إضافي مبتدأٌ، وقوله: (أوعى مِنْ سامعٍ) خبرُه.
وفي (رُبَّ) ستةَ عشَرَ لغةً: ضمُّ الراء وفتحُها وكلاهما مع التشديد والتخفيف، وهذه الأربعة مع تاء التأنيث الساكنة، أو محرَّكة، ومع التجرُّد منها، فهذه اثنتي عشرة، والضمُّ والفتحُ مع إسكان الباء، وضمُّ الحرفين مع التشديد ومع التخفيف، أفاده في «عمدة القاري».
[حديث: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام]
٦٧ - وبه قال: (حدثنا مُسَدَّد) هو ابن مُسرهِد، (قال: حدثنا بِشْر)؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة، ابن الفضل بن لاحق الرقاشي البصري، أبو إسماعيل الذي كان يصلي كل يوم أربعمئة ركعة، ويصوم يومًا ويفطر يومًا، المتوفى سنة تسع وثمانين ومئة.
(قال: حدثنا ابن عون)؛ بالنون: عبد الله بن أرطبان البصري، مولى عبد الله بن مغفل الصحابي الذي قال في حقِّه خارجة: (صحبت ابن عون أربعًا وعشرين سنة، فما أعلم أنَّ الملائكة كتبت عليه خطيئة)، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئة، وقيل: سنة خمسين ومئة.
(عن ابن سيرين)؛ هو محمد، (عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَة) نُفَيع؛ بضم النون وفتح الفاء، ابن الحارث، أبو عمرو الثقفي البصري، أول مولود ولد في الإسلام بالبصرة، المتوفى سنة ست وتسعين، (عن أبيه) أبي بَكْرة نُفَيع بن الحارث، (ذَكَرَ)؛ أي: أبو بَكْرة؛ أي: أنَّه كان يُحدِّثهم فذكر، (النبيَّ) الأعظم، بالنصب مفعول (ذكر)، ﷺ، وفي رواية: (أنَّ النبيَّ ﷺ، وفي أخرى: (ذُكِر- بضمِّ أوله وكسر ثانيه- النبيُّ ﷺ بالرفع نائبٌ عن الفاعل؛ أي: قال أبو بَكْرة حال كونه قد ذكر النبي ﵇، وفي «النسائي» قال: (وذكر) بالواو، إمَّا للحال أو للعطف، على أن يكون المعطوف عليه محذوفًا، أفاده في «عمدة القاري».
(قعد) ﵇ (على بعيره) بمِنى يوم النَّحْر في حجة الوداع، وإنَّما قعد عليه وورد النهي عن اتخاذ ظهورها منابر؛ لأجل الحاجة إلى إسماع الناس، والنهي محمول على ما إذا لم تدعُ الحاجة إليه، على أنَّه ﵇ هو المشرِّع، فلا يبعد أن يكون فعله ناسخًا للنهي؛ فليحفظ.
(وأمسك إنسان بخطامه)؛ بكسر الخاء، (أو بزمامه) وهما بمعنى واحد، وهو الخيط الذي يُشد فيه البُرَة؛ بضم الموحدة وفتح الراء؛ حلقة من صفر تُجعل في لحم أنف البعير، وقال الأصمعي: يُجعل في أحد جانبي المنخرين، والشكُّ من الراوي، قيل: الممسك هنا أبو بَكْرة؛ لرواية الإسماعيلي عنه: (وأمسكت أنا بخطامها (^٢) أو زمامها)، وقيل: بلال؛ لرواية النسائي عن أم الحصين قالت: (حججتُ فرأيتُ بلالًا يقود بخطام راحلة النبي ﷺ، وقيل: عمرو بن خارجة؛ لما في السنن عنه قال: (كنتُ آخذُ بزمام ناقته ﵇.
قلت: ورجَّح الشيخ الإمام بدر الدين العيني أنَّ الممسك هو عمرو بن خارجة؛ لأنَّه أخبر عن نفسه، قلت: ويَحتمل تعدُّد الإمساك بأنْ مسك هذا حصة، وهذا أخرى، وهذا أخرى، وكلُّ مَن رأى الممسك أخبر عنه، وإنَّما أمسك؛ لصون البعير عن الاضطراب والتشويش على راكبه ﵇.
(ثم قال) ﵇، وفي رواية: (فقال)، (أيُّ يوم هذا؟) برفع (أيُّ)، والجملة وقعت مقول القول، (فسكتنا) عطف على (قال)، (حتى) بمعنى (إلى)، (ظنَّنا أنَّه سيسميه سوى اسمه)؛ بفتح همزة (أنَّه) في محلِّ نصب على المفعوليَّة.
(قال: أليس) فالهمزة ليست للاستفهام الحقيقي؛ بل لنفي ما بعدها، وما بعدها منفي، فيكون إثباتًا؛ لأنَّ نفي النفي إثبات، فيكون المعنى: هو (يوم النحر) كما في قوله: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦]؛ أي: الله كاف عبده.
(قلنا) وفي رواية: (فقلنا)، (بلى) حرف يختصُّ بالنفي ويفيد إبطالَه، وهو هنا مقول القول أُقيم مُقام الجملة التي هي مقول القول، (قال) ﵇ (فأيُّ شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظنَّنا أنَّه)؛ بفتح الهمزة، (سيسمِّيه) أتى بالسين؛ للتوكيد، (بغير اسمه) المعلوم، (فقال) ﵇، وفي رواية: (قال): (أليس بذي الحجة؟)؛ بكسر الحاء المهملة وفتحها والكسر أفصح، وكذا ذو القعدة؛ بكسر القاف.
(قلنا: بلى)، وسقط في رواية السؤال عن الشهر والجواب الذي قبله، فقال: (أيُّ يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظنَّنا أنَّه سيسميه سوى اسمه، قال: أليس بذي الحجة؟)، فهو من إطلاق الكلِّ على البعض، وفي رواية: (فأيُّ بلد هذا؟ فسكتنا حتى ظنَّنا أنَّه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس بمكَّة؟)، وفي رواية بالسؤال عن الشهر والجواب الذي قبله مع السؤال عن البلد، وهذه الثلاثة ثابتةٌ عند المؤلف في (الأضاحي) و(الحج)، كما بسطه هنا في «عمدة القاري».
(قال) ﵇ (فإنَّ دماءكم)؛ أي: سفك دمائكم بغير حق، (وأموالكم)؛ أي: أخذها بغير حق، (وأعراضَكم) جمع عِرْض؛ بكسر العين: موضعُ المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه، أو أصله، أو فرعه؛ أي: ثلب أعراضكم بغير حق (بينكم حرام) خبر (إنَّ) مرفوع، (كحرمة يومكم هذا)؛ هو يوم النحر، (في شهركم هذا)؛ هو ذو الحجة، (في بلدكم هذا)؛ هي مكة المكرمة، وإنَّما شبه الثلاثة بالثلاثة؛ لاشتهار الحرمة فيها عندهم، بخلاف الأموال، والدماء، والأعراض؛ فإنَّهم في الجاهلية كانوا يستبيحونها، وما قاله ابن حجر ردَّه في «عمدة القاري».
(ليبلغِ)؛ بكسر الغين المعجمة؛ لأنَّه أمرٌ، ولكنَّه لما وصل بما بعده حرك بالكسر؛ لأنَّه الأصل، (الشاهد)؛ أي: الحاضر في المجلس، (الغائب) عنه، والمراد: إمَّا تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام.
(فإن الشاهد عسى أن يبلِّغَ) في محلِّ رفع خبر (إنَّ)، (مَنْ)؛ أي: الذي، (هو أوعى)؛ أي: أفهم، (له)؛ أي: للحديث، (منه) صلة لأفعل التفضيل، أعني قوله: (أوعى)، وإنَّما فصل بينهما بقوله: (له)؛ لأنَّ الظروف يُتوسَّع فيها ما لا يُتوسَّع في غيرها.
ويؤخذ من الحديث وجوبُ تبليغ العلم على العالم، وأنَّ حامل الحديث يجوز الأخذ عنه وإن كان جاهلًا بمعناه، وجوازُ القعود على ظهر الدواب، كما مرَّ، وأنَّ الخطبة تكون على موضع عالٍ، ومساواةُ المال والدموالعرض في الحرمة، وفيه الحث على التأدُّب مع الكبير؛ حيث يسألهم فيقولون: اللهُ ورسولُه أعلم، ﵃ أجمعين.
_________
(^١) في الأصل: (يؤذي).
(^٢) في الأصل: (بخضامها).
(١٠) [باب العلم قبل القول والعمل] هذا (بابٌ) بالتنوين، وهو ساقط في رواية، (العلم قبل القول والعمل) يعني: أنَّ الشيء يُعلم أولًا ثم يُقال ويُعمل به، فالعلم مقدَّم عليهما بالذات وبالشرف؛ لأنَّه عمل القلب، وهو أشرف أعضاء البدن، (لقول الله تعالى)، وللأصيلي: ﷿: (﴿فَاعْلَمْ﴾)؛ أي: يا محمد، (﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ﴾ [محمد: ١٩] فبدأ) الله تعالى (بالعلم) أولًا ثم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩]، وهو قول وعمل، والخطاب وإن كان للنبي الأعظم ﵇، لكنَّه عامٌّ متناولٌ لأمَّته، والأمر للدوام، كما في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ﴾ [الأحزاب: ١]؛ أي: دُمْ على التقوى. (وأنَّ العلماء) يجوز في (أنَّ) فتح همزتها عطفًا على سابقه وكسرُها على الحكاية، (هم ورثة الأنبياء) ﵈؛ أي: مسميين بذلك، لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا (^١) مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢]؛ أي: وهم العلماء (وَرَّثوا)؛ بفتح الواو مع تشديد الراء المفتوحة؛ أي: الأنبياء، أو بفتح الواو مع كسر الراء المخففة؛ أي: العلماء، ويجوز ضم الواو وتشديد الراء المكسورة أيضًا؛ أي: العلماء، وما قاله ابن حجر فليس بصحيح، كما نبَّه عليه في «عمدة القاري»؛ فليحفظ. (العلم، مَن أخذه أخذ) من ميراث النبوة (بحظ)؛ أي: نصيبٍ (وافر)؛ أي: كثير كامل، وهذا قطعة من حديث أخرجه الترمذي، وابن حبان، والحاكم من حديث أبي الدرداء: أنَّ رسول الله ﷺ قال: «مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا؛ سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإنَّ الملائكة لتضعُ أجنحتَها رضًىلطالب العلم، وإنَّ العالم تستغفر له مَن في السماوات ومَن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنَّما ورثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظٍّ وافر» اهـ، وتُكُلِّم في سنده كما هو مبسوطٌ في «عمدة القاري»؛ فليحفظ. (ومن سلك طريقًا) حال كونه (يطلب به)؛ أي: السالك، على حدِّ ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨]، (علمًا) نكَّره؛ ليتناول العلوم الدينية، وليشمل الكثير والقليل، (سهَّل الله له طريقًا)؛ أي: في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفِّقَه للأعمال الصالحة الموصلة (إلى الجنة)، أو هو بشارة بتسهيل العلم على طالبه؛ لأنَّ طلبه موصل إلى الجنة. وفي «مسند الفردوس» بسنده إلى سعيد بن جبير قال: قال رسول الله ﷺ: (ارحموا طالب العلم؛ فإنَّه متعوب البدن، لولا أنَّه يأخذ بالعجب؛ لصافحته الملائكة معاينة، ولكن يأخذ بالعجب ويريد أن يقهر مَن هو أعلم منه). وهذه الجملة التي ساقها المؤلف أخرجها مسلم من حديث الأعمش، عن أبي صالح، والترمذي، وقال: حسن، ولم يقل: صحيح؛ لتدليس الأعمش، لكن في رواية مسلم عن الأعمش: (حدثنا أبو صالح)، فانتفت تهَمة تدليسه، كما بسطه في «عمدة القاري». (وقال) الله (جلَّ ذكره)، وفي رواية: (جلَّ وعزَّ): (﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ﴾)؛ أي: يخافه، (﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾)؛ أي: من علم قدرته وسلطانه، (﴿العُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨])، قاله ابن عباس، وقرئ: برفع الجلالة ونصب ﴿العُلَمَاءُ﴾، وهي قراءة الإمام الأعظم وعمر بن عبد العزيز ﵄؛ لأنَّ الخشية فيها تكون استعارة، والمعنى: إنَّما يُجِلُّهم ويعظِّمُهم. ومن لوازم الخشية التعظيم، فيكون من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم، فإن قلت: خشية الله مقصورة على العلماء بقضية كلام هذه الآية، وقد ذكر الله أيضًا: أنَّ الجنة لمن يخشى وهو: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: ٨]، فيلزم من ذلك ألَّا تكون الجنةُ إلَّا للعلماء خاصَّةً. أجاب شيخ الشيخ الإمام بدر الدين العيني: بأنَّ المراد من العلماء الموحِّدون، وأنَّ الجنة ليست إلَّا للموحدين الذين يخشون الله تعالى؛ أي: يخافونه (^٢)، ومَنِ ازداد علمًا؛ ازدادَ مِنَ الله خوفًا، وفي الحديث: «أعلمُكم بالله أشدُّكم له خشيةً»، وقال ﵇ أيضًا: «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له». (وقال) الله تعالى: (﴿وَمَا يَعْقِلُهَا﴾)؛ أي: الأمثال المضروبة، (﴿إِلَّا العَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]) الذين يعقلون عن الله تعالى، وروى جابر: أنَّ النبي الأعظم قرأ هذه الآية قال: «العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه»، (﴿وَقَالُوا﴾)؛ أي: الكفَّار حين دخولهم النار: (﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ﴾) الإنذار سماع قبول للحق، وإنَّما حذف المفعول؛ لأنَّه كالفعل اللازم، (﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾) كلامَ الرسل عقلَ متأملين، (﴿مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١])؛ أي: في جملتهم في النار، والمراد من (العقل) هنا: العلم؛ لأنَّهم تمنَّوا أن لو كان لهم عقل؛ لما دخلوا النار، وروى أبو سعيد الخدري مرفوعًا: «أنَّ لكل شيء دِعامة، ودِعامة المؤمن عقلُه، فبقدر ما يعقل يعبد ربَّه، ولقد ندم الفجار يوم القيامة فقالوا: ﴿لَوْ كُنَّا...﴾؛ الآية». وروى أنس مرفوعًا: «أنَّ الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنَّما يرتفع العباد غدًا في الدرجات وينالون الزلفى من ربِّهم على قدر عقولهم». (وقال) الله تعالى: ﴿قُلْ﴾ (﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩]) نفى المساواة بين العلم والجهل، فيقتضي نفي المساواة أيضًا بين العالم والجاهل، وفيه مدح للعلم وذم الجهل. (وقال النبي) الأعظم ﷺ فيما أخرجه ابن أبي عاصم بهذا اللفظ في كتاب العلم من طريق ابن عمر عن أبيه مرفوعًا بإسناد حسن، ووصله المؤلف بعد بابين (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)، وفي رواية: (يفهِّمه)؛ بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم، فالفقه لغة: الفهم، قال تعالى: ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٨]؛ أي: يفهموا، ثم خص به علم الشريعة، والعالم به يسمى فقيهًا، («وإنما العلم بالتعَلُّم»)؛ بفتح العين وتشديد اللام المضمومة، وفي رواية: (بالتعلِيم) بكسر اللام وبالمثناة التحتية. وليس هذا من كلام المؤلف، كما قاله الكرماني؛ بل هو حديث أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية، ولفظه: «يا أيها الناس؛ تعلموا العلم، إنَّما العلم بالتعلُّم، والفقه بالتفقه، ومَنْ يردِ الله به خيرًا يفقهه في الدين» إسناده حسن، ورواه أبو نعيم من حديث أبي الدرداء، ولفظه: «إنَّما العلم بالتعلُّم، وإنَّما الحلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير؛ يعطَه»؛ فافهم. (وقال أبو ذر) جندب بن جنادة الغفاري فيما وصله الدارمي في «مسنده» وغيره من حديث أبي مرثد، كما بسطه في «عمدة القاري»، وذلك لما قال له رجل والناس مجتمعون عليه عند الجمرة الوسطى يستفتونه: ألم تُنهَ عن الفُتيا؟ وكان الذي منعه عثمان؛ لاختلافٍ حصل بينه وبين معاوية بالشام في تأويل: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة: ٣٤]، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب خاصَّةً، وقال أبو ذرٍّ: نزلت فينا وفيهم، فكتب معاوية إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذرٍّ، وحصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذرٍّ عن المدينة إلى الرَّبَذَة؛ بفتح الراء المهملة، والباء الموحدة، والذال المعجمة، إلى أن مات: (أرقيبٌ أنت عليَّ؟) (لو وضعتم الصمصامة)؛ بالمهملتين، الأولى مفتوحة؛ أي: السيف الصارم الذي لا ينثني، أو الذي له حدٌّ واحد، (على هذه، وأشار) بقوله: (هذه) (إلى قفاه)، وفي رواية: (إلى القفا) وهو مقصور: مؤخَّرُ العنق، يُذَكَّر ويؤنَّث، (ثم ظننت أنَّي أُنْفِذ)؛ بضم الهمزة، وكسر الفاء، آخره معجمة؛ أي: أقدر على إنفاذ، (كلمة)؛ أي: تبليغها، (سمعتها من النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) ﷺ قبل أن تُجِيزوا)؛ بضم المثناة فوق، وكسر الجيم، وبعد التحتية زاي معجمة، الصمصامة (عليَّ)؛ أي: على قفاي؛ أي: قبل أن تقطعوا رأسي، (لأنفذتها)؛ بفتح الهمزة والفاء وإسكان الذال المعجمة، وإنَّما فعل أبو ذرٍّ هذا؛ حرصًا على تعليم العلم لطلب الثواب، ولأمر النبي ﵇ بالتبليغ عنه، وللوعيد في حقِّ الكتمان. وزاد في رواية: (وقول النبي ﷺ: «ليبلغ الشاهد الغائب») وتقدم قريبًا، وفيه دليل على أنَّ أبا ذرٍّ كان لا يرى بطاعة الإمام إذا نهاه عن الفتيا، و(لو) هنا لمجرَّد الشرط كـ (إن) من غير ملاحظة الامتناع، أو المراد: أنَّ الإنفاذ حاصل على تقدير الوضع، فعلى تقدير عدم الوضع حصولُه أولى، كقوله: نِعْمَ العبد صهيب لو لم يخفِ الله؛ لم يعصه. وفيه جواز الشِّدَّة وتحمُّل الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويباح له أن يسكت إذا خاف الأذى، كما قال أبو هريرة: (لو حدثتكم بكل ما في جوفي؛ لرميتموني بالبعر)، قال الحسن: صدق، وأراد بذلك ما يتعلَّق بالفتن ممَّا لا يتعلَّق بذكره مصلحةٌ شرعية، وإلَّا لما كتمه، وسيأتي في محلِّه، والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهمافيما وصله ابن أبي عاصم والخطيب بإسناد حسن، (﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٨٩])؛ أي (حلماء) جمع حليم؛ باللام وضم الحاء المهملة؛ وهو الطمأنينة عند الغضب، (فقهاء) جمع فقيه؛ وهو العالم بالأحكام الشرعيَّة العلميَّة من أدلتها التفصيليَّة، وفي رواية: (حكماء) جمع حكيم، وهي الفقه في الدين، وقيل: صحة القول، والعقد، والفعل، (علماء) جمع عالم، وهذا تفسيره. وقال في «عمدة القاري»: (الرباني _________ (^١) في الأصل: (اصطفيانهم). (^٢) في الأصل: (يخافوه).
(١٠) [باب العلم قبل القول والعمل] هذا (بابٌ) بالتنوين، وهو ساقط في رواية، (العلم قبل القول والعمل) يعني: أنَّ الشيء يُعلم أولًا ثم يُقال ويُعمل به، فالعلم مقدَّم عليهما بالذات وبالشرف؛ لأنَّه عمل القلب، وهو أشرف أعضاء البدن، (لقول الله تعالى)، وللأصيلي: ﷿: (﴿فَاعْلَمْ﴾)؛ أي: يا محمد، (﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ﴾ [محمد: ١٩] فبدأ) الله تعالى (بالعلم) أولًا ثم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩]، وهو قول وعمل، والخطاب وإن كان للنبي الأعظم ﵇، لكنَّه عامٌّ متناولٌ لأمَّته، والأمر للدوام، كما في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ﴾ [الأحزاب: ١]؛ أي: دُمْ على التقوى. (وأنَّ العلماء) يجوز في (أنَّ) فتح همزتها عطفًا على سابقه وكسرُها على الحكاية، (هم ورثة الأنبياء) ﵈؛ أي: مسميين بذلك، لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا (^١) مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢]؛ أي: وهم العلماء (وَرَّثوا)؛ بفتح الواو مع تشديد الراء المفتوحة؛ أي: الأنبياء، أو بفتح الواو مع كسر الراء المخففة؛ أي: العلماء، ويجوز ضم الواو وتشديد الراء المكسورة أيضًا؛ أي: العلماء، وما قاله ابن حجر فليس بصحيح، كما نبَّه عليه في «عمدة القاري»؛ فليحفظ. (العلم، مَن أخذه أخذ) من ميراث النبوة (بحظ)؛ أي: نصيبٍ (وافر)؛ أي: كثير كامل، وهذا قطعة من حديث أخرجه الترمذي، وابن حبان، والحاكم من حديث أبي الدرداء: أنَّ رسول الله ﷺ قال: «مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا؛ سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإنَّ الملائكة لتضعُ أجنحتَها رضًىلطالب العلم، وإنَّ العالم تستغفر له مَن في السماوات ومَن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنَّما ورثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظٍّ وافر» اهـ، وتُكُلِّم في سنده كما هو مبسوطٌ في «عمدة القاري»؛ فليحفظ. (ومن سلك طريقًا) حال كونه (يطلب به)؛ أي: السالك، على حدِّ ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨]، (علمًا) نكَّره؛ ليتناول العلوم الدينية، وليشمل الكثير والقليل، (سهَّل الله له طريقًا)؛ أي: في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفِّقَه للأعمال الصالحة الموصلة (إلى الجنة)، أو هو بشارة بتسهيل العلم على طالبه؛ لأنَّ طلبه موصل إلى الجنة. وفي «مسند الفردوس» بسنده إلى سعيد بن جبير قال: قال رسول الله ﷺ: (ارحموا طالب العلم؛ فإنَّه متعوب البدن، لولا أنَّه يأخذ بالعجب؛ لصافحته الملائكة معاينة، ولكن يأخذ بالعجب ويريد أن يقهر مَن هو أعلم منه). وهذه الجملة التي ساقها المؤلف أخرجها مسلم من حديث الأعمش، عن أبي صالح، والترمذي، وقال: حسن، ولم يقل: صحيح؛ لتدليس الأعمش، لكن في رواية مسلم عن الأعمش: (حدثنا أبو صالح)، فانتفت تهَمة تدليسه، كما بسطه في «عمدة القاري». (وقال) الله (جلَّ ذكره)، وفي رواية: (جلَّ وعزَّ): (﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ﴾)؛ أي: يخافه، (﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾)؛ أي: من علم قدرته وسلطانه، (﴿العُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨])، قاله ابن عباس، وقرئ: برفع الجلالة ونصب ﴿العُلَمَاءُ﴾، وهي قراءة الإمام الأعظم وعمر بن عبد العزيز ﵄؛ لأنَّ الخشية فيها تكون استعارة، والمعنى: إنَّما يُجِلُّهم ويعظِّمُهم. ومن لوازم الخشية التعظيم، فيكون من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم، فإن قلت: خشية الله مقصورة على العلماء بقضية كلام هذه الآية، وقد ذكر الله أيضًا: أنَّ الجنة لمن يخشى وهو: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: ٨]، فيلزم من ذلك ألَّا تكون الجنةُ إلَّا للعلماء خاصَّةً. أجاب شيخ الشيخ الإمام بدر الدين العيني: بأنَّ المراد من العلماء الموحِّدون، وأنَّ الجنة ليست إلَّا للموحدين الذين يخشون الله تعالى؛ أي: يخافونه (^٢)، ومَنِ ازداد علمًا؛ ازدادَ مِنَ الله خوفًا، وفي الحديث: «أعلمُكم بالله أشدُّكم له خشيةً»، وقال ﵇ أيضًا: «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له». (وقال) الله تعالى: (﴿وَمَا يَعْقِلُهَا﴾)؛ أي: الأمثال المضروبة، (﴿إِلَّا العَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]) الذين يعقلون عن الله تعالى، وروى جابر: أنَّ النبي الأعظم قرأ هذه الآية قال: «العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه»، (﴿وَقَالُوا﴾)؛ أي: الكفَّار حين دخولهم النار: (﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ﴾) الإنذار سماع قبول للحق، وإنَّما حذف المفعول؛ لأنَّه كالفعل اللازم، (﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾) كلامَ الرسل عقلَ متأملين، (﴿مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١])؛ أي: في جملتهم في النار، والمراد من (العقل) هنا: العلم؛ لأنَّهم تمنَّوا أن لو كان لهم عقل؛ لما دخلوا النار، وروى أبو سعيد الخدري مرفوعًا: «أنَّ لكل شيء دِعامة، ودِعامة المؤمن عقلُه، فبقدر ما يعقل يعبد ربَّه، ولقد ندم الفجار يوم القيامة فقالوا: ﴿لَوْ كُنَّا...﴾؛ الآية». وروى أنس مرفوعًا: «أنَّ الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنَّما يرتفع العباد غدًا في الدرجات وينالون الزلفى من ربِّهم على قدر عقولهم». (وقال) الله تعالى: ﴿قُلْ﴾ (﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩]) نفى المساواة بين العلم والجهل، فيقتضي نفي المساواة أيضًا بين العالم والجاهل، وفيه مدح للعلم وذم الجهل. (وقال النبي) الأعظم ﷺ فيما أخرجه ابن أبي عاصم بهذا اللفظ في كتاب العلم من طريق ابن عمر عن أبيه مرفوعًا بإسناد حسن، ووصله المؤلف بعد بابين (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)، وفي رواية: (يفهِّمه)؛ بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم، فالفقه لغة: الفهم، قال تعالى: ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٨]؛ أي: يفهموا، ثم خص به علم الشريعة، والعالم به يسمى فقيهًا، («وإنما العلم بالتعَلُّم»)؛ بفتح العين وتشديد اللام المضمومة، وفي رواية: (بالتعلِيم) بكسر اللام وبالمثناة التحتية. وليس هذا من كلام المؤلف، كما قاله الكرماني؛ بل هو حديث أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية، ولفظه: «يا أيها الناس؛ تعلموا العلم، إنَّما العلم بالتعلُّم، والفقه بالتفقه، ومَنْ يردِ الله به خيرًا يفقهه في الدين» إسناده حسن، ورواه أبو نعيم من حديث أبي الدرداء، ولفظه: «إنَّما العلم بالتعلُّم، وإنَّما الحلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير؛ يعطَه»؛ فافهم. (وقال أبو ذر) جندب بن جنادة الغفاري فيما وصله الدارمي في «مسنده» وغيره من حديث أبي مرثد، كما بسطه في «عمدة القاري»، وذلك لما قال له رجل والناس مجتمعون عليه عند الجمرة الوسطى يستفتونه: ألم تُنهَ عن الفُتيا؟ وكان الذي منعه عثمان؛ لاختلافٍ حصل بينه وبين معاوية بالشام في تأويل: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة: ٣٤]، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب خاصَّةً، وقال أبو ذرٍّ: نزلت فينا وفيهم، فكتب معاوية إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذرٍّ، وحصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذرٍّ عن المدينة إلى الرَّبَذَة؛ بفتح الراء المهملة، والباء الموحدة، والذال المعجمة، إلى أن مات: (أرقيبٌ أنت عليَّ؟) (لو وضعتم الصمصامة)؛ بالمهملتين، الأولى مفتوحة؛ أي: السيف الصارم الذي لا ينثني، أو الذي له حدٌّ واحد، (على هذه، وأشار) بقوله: (هذه) (إلى قفاه)، وفي رواية: (إلى القفا) وهو مقصور: مؤخَّرُ العنق، يُذَكَّر ويؤنَّث، (ثم ظننت أنَّي أُنْفِذ)؛ بضم الهمزة، وكسر الفاء، آخره معجمة؛ أي: أقدر على إنفاذ، (كلمة)؛ أي: تبليغها، (سمعتها من النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) ﷺ قبل أن تُجِيزوا)؛ بضم المثناة فوق، وكسر الجيم، وبعد التحتية زاي معجمة، الصمصامة (عليَّ)؛ أي: على قفاي؛ أي: قبل أن تقطعوا رأسي، (لأنفذتها)؛ بفتح الهمزة والفاء وإسكان الذال المعجمة، وإنَّما فعل أبو ذرٍّ هذا؛ حرصًا على تعليم العلم لطلب الثواب، ولأمر النبي ﵇ بالتبليغ عنه، وللوعيد في حقِّ الكتمان. وزاد في رواية: (وقول النبي ﷺ: «ليبلغ الشاهد الغائب») وتقدم قريبًا، وفيه دليل على أنَّ أبا ذرٍّ كان لا يرى بطاعة الإمام إذا نهاه عن الفتيا، و(لو) هنا لمجرَّد الشرط كـ (إن) من غير ملاحظة الامتناع، أو المراد: أنَّ الإنفاذ حاصل على تقدير الوضع، فعلى تقدير عدم الوضع حصولُه أولى، كقوله: نِعْمَ العبد صهيب لو لم يخفِ الله؛ لم يعصه. وفيه جواز الشِّدَّة وتحمُّل الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويباح له أن يسكت إذا خاف الأذى، كما قال أبو هريرة: (لو حدثتكم بكل ما في جوفي؛ لرميتموني بالبعر)، قال الحسن: صدق، وأراد بذلك ما يتعلَّق بالفتن ممَّا لا يتعلَّق بذكره مصلحةٌ شرعية، وإلَّا لما كتمه، وسيأتي في محلِّه، والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهمافيما وصله ابن أبي عاصم والخطيب بإسناد حسن، (﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٨٩])؛ أي (حلماء) جمع حليم؛ باللام وضم الحاء المهملة؛ وهو الطمأنينة عند الغضب، (فقهاء) جمع فقيه؛ وهو العالم بالأحكام الشرعيَّة العلميَّة من أدلتها التفصيليَّة، وفي رواية: (حكماء) جمع حكيم، وهي الفقه في الدين، وقيل: صحة القول، والعقد، والفعل، (علماء) جمع عالم، وهذا تفسيره. وقال في «عمدة القاري»: (الرباني _________ (^١) في الأصل: (اصطفيانهم). (^٢) في الأصل: (يخافوه).
1 / 23