يوما فقد نال المنى!»
وبعث تلك الرقعة مع بعض جواسيسه إلى حجرة فدوى؛ إذ لم يستطع تسليمها إليها بيده، فلم يستطع الرسول غير رميها في أرض الحجرة، فوقعت في يد بخيت، ولما قرأها علم أنها من عزيز، فاشتد غضبه وخبأها عن فدوى وعن غيرها، وقد صمم على قتل ذلك الخائن، لكنه لم يكن يستطيع الخروج من البيت؛ لاشتغاله بمرض فدوى، ثم لما ذهبوا بها إلى الأرياف لم يعد يتيسر له ملاقاة ذلك الباغي اللئيم.
الفصل الثالث والأربعون
الجاسوس إلى المتمهدي
أما ما كان من أمر هيكس وجماعته، فإنهم وصلوا بربر ومنها ركبوا في بواخر النيل، فوصلوا الخرطوم في أول مارس من تلك السنة، وكان شفيق قد اكتسب ثقة هيكس باشا ومحبته؛ لما اتصف به من الشهامة، ولمعرفته اللغة العربية وشدة احتياج هيكس إليها في تلك الجهات.
فلما وصلوا الخرطوم خرج حكمدارها لملاقاتهم في حاشيته ورجال حكومته، وأنزلهم في سراي أعدت لهم. والخرطوم عاصمة السودان ومقر حكومته، وهي واقعة على الشاطئ الشرقي للنيل عند نقطة التقاء البحرين الأبيض والأزرق، وهي أكبر مدن الأقطار السودانية. ونزل شفيق في غد وصولهم لمشاهدة المدينة، فإذا هي آهلة وفيها ديوان الحكمدارية، والمجلس المحلي، واسبتالية، وأشوان، وجبخانات، وتلغراف، وقيساريات، ووكالات يباع فيها أنواع البضائع الإفرنحية والسودانية، وفيها حدائق كثيرة الأشجار من الفاكهة؛ كالليمون، والبرتقال، والعنب، والرمان، والتين، والقشطة، والخوخ، والتفاح، وشاهد فيها من الصياغ من لهم مهارة خاصة في عمل الفناجين من الأسلاك.
وبعد مضي ثلاثة أسابيع من وصول هيكس، جاءتهم سرية من الجند المصري من القاهرة، وجاءتهم سرية أخرى معظم من فيها من ضباط الجند العرابي.
وكان شفيق لحسن فراسته لا تفوته فائتة لما تستلزمه الأحوال، فاجتمع يوما بهيكس باشا، فإذا به جالس في حجرته يكتب كتابا إلى لندرا، فجلس يطالع بعض الجرائد الإنكليزية التي كانت قد جاءتهم مع الحملة، فلما أتم هيكس الكتابة رحب بشفيق، وأخذا بأطراف الحديث، فقال هيكس: لا أرى هؤلاء الدراويش يستطيعون منازلة جنودنا إلا مدة قصيرة، فقال شفيق: يا حبذا ذلك، ولكني أرى يا سعادة الباشا أن جندنا لا يصلح لهذه المهمة.
فقال هيكس: ولماذا؟
قال: لأن معظم ضباطه من الذين كانوا في جيش عرابي وهم لم يأتوا إلينا إلا مكرهين؛ ظنا منهم أنهم سيقوا إلى هنا إبعادا لهم عن الديار المصرية.
অজানা পৃষ্ঠা