فقال الباشا: ما ظنك بقدوم حضرة الوالدين؟
قال: أرجو أن يكون قريبا، وربما تستبقي الحكومة والدي في لندرا مدة لبعض الاستعلامات؛ لما سبق له من الخدمة في مصلحتها في مصر.
فخافت فدوى طول المدة، ولكنها لم تكن تستطيع جوابا عما في فؤادها إلا بما ترسمه العواطف على وجهها.
ثم دنا شفيق من الباشا وودعه، ومد يده إلى فدوى فمدت يدها وهي ترتعش من عظم تأثرها، فضغط عليها بلطف كأنه يقول لها: عندي مثل ما عندك؛ فلا تيأسي من حبي لك. ثم انصرف شفيق وبقي الباشا وابنته فأثنيا على كرم أخلاق شفيق وبسالته ، فلام الباشا فدوى لكتمانها ما ربطها بشفيق من الحب الطاهر، فاعتذرت له أنها كانت تخاف ألا يوافقها. وبعد المذاكرة بما صدر من سفالة مبادئ عزيز، وكيف آل أمره، وما أبداه شفيق من كرم النفس، وكيف ظهر فضله، فنهض الباشا يريد الذهاب إلى المدينة ليرى ماجريات الإنكليز فيها بعد حلولهم؛ لأنه كان يظن - كسائر أهل القاهرة - أن الإنكليز يدخلونها مفتتحين فينهبون ويقتلون، فكان الأمر على خلاف ذلك؛ لأنهم دخلوها بسلام وأهلها في أمن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أما شفيق، فلما وصل إلى معسكره في العباسية وجد هناك عرابيا وبعضا من رفقائه محجورا عليهم في غرفة، وأخذت الجنود الإنكليزية من ذلك الحين تلقي القبض على زعماء الثورة للمحاكمة، فحكم على سبعة منهم - وفيهم أحمد عرابي؛ زعيم الثورة - بالإعدام، فتكرم الجناب الخديوي بالعفو عنهم وإبعادهم إلى جزيرة سيلان. وبعد إبعادهم، أخذت الأحوال في السكون رويدا رويدا.
أما شفيق فكان ينتظر محاكمة العرابيين وتقرير الأحوال؛ ليعود الإنكليز إلى بلادهم، فيستعفي هو من الجهادية، ويخلو له الجو فيقترن بحبيبته، غير أن انتظاره قد خاب؛ لأن الدولة الإنكليزية قررت احتلال مصر إلى أجل غير معين؛ بدعوى أنها إنما جاءت لإخماد الثورة وتأييد الأمن، فلا تبرح البلاد حتى تستتب الراحة تماما، فكان شفيق أثناء بقائه في مصر يتردد إلى بيت الباشا لمشاهدة فدوى، ولم يكن يهمل السؤال عن صحة عزيز، بل كان يستطلع أحواله. أما عزيز فلم تكن هذه المعاملة إلا لتثير منه حاسة الحقد والانتقام؛ لما رأى في نفسه من الذل والاحتقار لفوز شفيق عليه.
أما والدا شفيق، فوردت عليهما كتب من ولدهما تنبئهما بأنه في مصر بخير وسلام، وهو حاصل على امتيازات الجهادية، فسرا لما ناله من الشرف في ذلك، ولا سيما حين علما أنه كان في جملة من أنعم عليهم الجناب العالي بالنياشين والرتب إقرارا بأمانتهم، وزاده شرفا أنه كان من الضباط المختارين للانتظام في خدمة الجيش المصري وتدريبه.
الفصل الأربعون
حديث في لندرا
بقيت والدة شفيق كاتمة عن زوجها أمر حب شفيق لفدوى حتى أتاها كتاب منه يخبرها برضاء والد فدوى عنه، وأنه يميل إلى تزويجه بها، ويطلب إليها أن تطلع والده على حقيقة الخبر وتستطلع أفكاره في ذلك.
অজানা পৃষ্ঠা