قال الباشا: وماذا إذن بعد أن ثارت القوة العسكرية عليه؟ وهل يخفى عليكم أن للحكومات الأجنبية مصلحة مادية في هذا القطر، ومصلحته من مصلحتها؟ ألا تذكر ما نقلته لي يوم حادثة عابدين، عندما قال قنصل إنكلترا لعرابي: إن إصراره على عناده يحمل الدول الأجنبية على المداخلة في إخماد الثورة؟ فما باله لم يفقه لذلك المقال؟ ولا أظن الدول غدرته في شيء، بل أوضحت له مقاصدها من أول الأمر؛ وهو حفظ الأمن في البلاد، حتى إن الدولة الإنكليزية بعد دخولها الإسكندرية صرحت أنها ترجع عنها حالما تنحل عقدة اجتماع الجيوش والتظاهرات الحربية.
فقال عزيز: إن مقاصد إنكلترا الاستيلاء على هذه البلاد.
قال: وكيف يكون ذلك مقصدها وقد صرحت بما قلته لك؟ وفضلا عن ذلك أنها أوعزت إلى عرابي قبل تفاقم الخطب أن يخرج من البر برتبه وألقابه ورواتبه مع رفيقيه، فلم يقبل، ولو قبل لانحل المشكل على أهون سبيل، على أنه إذا أصغى في هذا اليوم إلى ما قيل له لانحلت المشكلة، واستتبت الراحة، وعادت الجنود الإنكليزية من حيث أتت. أما إذا أصر على مراده، فإنا نقع في شر أعمالنا، ويعود ذلك وبالا علينا.
فقال عزيز: ولكن لا يخفى على سعادتك أننا ندافع بأعمالنا هذه عن حقوق مولانا السلطان صاحب البلاد.
قال: ومن قال لك ذلك؟ تمهل؛ فإنك لا تلبث أن تسمع بصدور المنشورات المؤذنة باعتبار عرابي عاصيا، وها إن الجناب العالي قد صرح بعصيانه، ونحن ليس لنا قدرة على مدافعة القوة الإنكليزية.
فقال عزيز: إذا كان الجناب العالي يحب الرعية، فلماذا يقبل نجدة الدول الأجنبية؟
قال الباشا: قلت لك إنه لا يمكنه غير ذلك، ولا بد أنه فعل هذا رغما عنه، فمن تريدون أن يستنجد وأنتم القوة التي كان يستنجدها وقت الحاجة قد انقلبتم عليه؟ على أن ذلك لا يقابل حريقكم لمدينة الإسكندرية.
فقال عزيز: إن حريقها لم يكن إلا جريا على مقتضيات القوانين الحربية القاضية بإتلاف ما يتحقق قرب وقوعه في يد العدو، فقال الباشا: «ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا.» وحينئذ تتأكد صدق مقالي.
الفصل الثالث والثلاثون
عود عزيز إلى مصر
অজানা পৃষ্ঠা