«أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَنَوَى أَنْ لَا يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا مَاتَ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ زَانٍ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا فَنَوَى أَنْ لَا يُعْطِيَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا مَاتَ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ خَائِنٌ»، وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ «مَنْ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يُؤَدِّيَهُ أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ فَمَاتَ قَالَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ظَنَنْتَ أَنِّي لَا آخُذُ لِعَبْدِي بِحَقِّهِ؟ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَتُجْعَلُ فِي حَسَنَاتِ الْآخَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْآخَرِ، فَجُعِلَتْ عَلَيْهِ» .
[الْمَبْحَث الثَّانِي: فِيمَا يَرْجِع إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة مِنْ أَبْوَاب الْفِقْه]
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْل عَنْ الْأَئِمَّة فِي تَعْظِيم قَدْر حَدِيث النِّيَّة.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ النَّبِيِّ ﷺ شَيْء أَجْمَعَ وَأَغْنَى وَأَكْثَرَ فَائِدَةً مِنْهُ، وَاتَّفَقَ الْإِمَام الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ ثُلُث الْعِلْم، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: رُبْعه، وَوَجَّهَ الْبَيْهَقِيُّ كَوْنه ثُلُث الْعِلْم: بِأَنَّ كَسْب الْعَبْد يَقَع بِقَلْبِهِ وَلِسَانه وَجَوَارِحه، فَالنِّيَّة أَحَد أَقْسَامهَا الثَّلَاثَة وَأَرْجَحُهَا ; لِأَنَّهَا قَدْ تَكُون عِبَادَة مُسْتَقِلَّة، وَغَيْرهَا يَحْتَاج إلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ.»
وَكَلَام الْإِمَام أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُث الْعِلْم، أَنَّهُ أَحَد الْقَوَاعِد الثَّلَاث الَّتِي تُرَدّ إلَيْهَا جَمِيع الْأَحْكَام عِنْده فَإِنَّهُ قَالَ: أُصُول الْإِسْلَام عَلَى ثَلَاثَة أَحَادِيث: حَدِيث «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ»
وَحَدِيث «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»
وَحَدِيث «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَدَار السُّنَّة عَلَى أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وَحَدِيث «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»، وَحَدِيث " «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ»، وَحَدِيث «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا»، وَفِي لَفْظ عَنْهُ: يَكْفِي الْإِنْسَان لِدِينِهِ أَرْبَعَة أَحَادِيث، فَذَكَرهَا، وَذَكَرَ بَدَل الْأَخِير: حَدِيث «لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَرْضَى لِأَخِيهِ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ» .
وَعَنْهُ أَيْضًا: الْفِقْه يَدُور عَلَى خَمْسَة أَحَادِيث: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، «وَالْحَلَالَ بَيِّنٌ»، «وَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، «وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أُصُولُ الْأَحَادِيثِ أَرْبَعَةٌ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، «وَمِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»، «وَالْحَلَالُ بَيِّنٌ»، «وَازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّك اللَّهُ» .
وَحَكَى الْخَفَّافُ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَاب الْخِصَالِ عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ: أَنَّ مَدَار الْأَحَادِيث عَلَى أَرْبَعَة: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وَ«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ»، وَ«بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»، وَ«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا: حَدِيث النِّيَّة يَدْخُل فِي ثَلَاثِينَ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَدْخُل فِي سَبْعِينَ بَابَا.
قُلْت: وَهَذَا ذِكْر مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ الْأَبْوَاب إجْمَالًا:
مِنْ ذَلِكَ: رُبْع الْعِبَادَات بِكَمَالِهِ، كَالْوُضُوءِ، وَالْغُسْل فَرْضًا وَنَفْلًا، وَمَسْح الْخُفّ فِي مَسْأَلَةِ
1 / 9