تقدم ميركوري من الحارس ذي المائة عين في صورة راع، فجلس إلى جانبه، وأخذ يحكي له القصص، ويعزف على مزاميره. فسر أرجوس لاهتمام هذا الراعي به، وفي أغلب الأحوال كان على وشك أن ينام، غير أن بعض عيونه يظل دائما يقظا، وأخيرا شرع ميركوري يقص على مسامع أرجوس قصة اختراع مزامير بان، التي كان يعزف عليها.
قال ميركوري في لهجة رقيقة: «منذ زمن بعيد غابر، أحب الإله بان الحورية سورنكس، ولكنها كانت تابعة وفية للربة ديانا، ولا يمكن أن تنمو بينه وبينها أية علاقة غرامية.» فقالت له: «لقد نذرت حياتي للربة ديانا، فأبقى عذراء ولن أتزوج إطلاقا.» فلم يلق بان أي بال إلى حديثها، وحاول أن يطوقها بذراعيه، ويضمها إلى صدره اللهيف. فأسرعت تجري صوب نهر قريب، ولكنه جرى وراءها واقترب منها أكثر فأكثر، وكاد يمسك بها، فاستغاثت برب ذلك النهر، وطلبت مساعدته؛ كيلا يغتصبها بان، فهب إلى نجدتها. وبينما كان بان يضمها بين ذراعيه، وجد نفسه لا يحتضن الحورية، بل حزمة من البوص الطويل، فتنهد بان متحسرا، وفي أثناء تنهده تحركت أنفاسه خلال أعواد البوص في نغمة موسيقية. فعندما لمس الهواء جذوع البوص الجوفاء أحدث نغمة رقيقة عذبة. فلما سرت تلك النغمات بان كسر أعواد البوص، وصنع منها لنفسه مزمارا، ثم جلس بان على جانب النهر، واستمر مدة طويلة يعزف أناشيد شجية حلوة، استمع إليها الرعاة مبتهجين. وهكذا كان مولد مزامير بان المعروفة باسم «السورنكس».
عندما ختم ميركوري قصته رأى جميع عيون أرجوس نائمة، فقفز على الفور في خفة وقتله، وأطلق سراح إيو، ولكي تكافئ جونو خادمها الأمين أخذت عيونه ونثرتها على ذيل الطاووس، وما زال من الممكن رؤيتها.
ورغم هذا استمرت جونو تطارد إيو. فأرسلت ذبابة من ذباب الخيل؛ لتعذب العجلة المسكينة، ولما برح بهذه العجلة العذاب هربت إلى البحر وسبحت فيه. وما برح ذلك البحر يسمى باسمها «البحر الأيوني». وبعد عدة تجوالات وصلت إيو إلى مصر. ولما وعد جوبيتر زوجته جونو بألا يهتم بعد ذلك بإيو، وافقت جونو على تخليصها من صورتها الحيوانية، وهكذا عادت إيو حورية كما كانت.
أبولو ودافني
لا شك في أن اسم الإله الجميل الصورة والماجد أبولو يقترن بأسماء كثير من الحوريات. غير أنه ليس دائما أن تقابل أولئك الحوريات عواطفه الغرامية بالقبول.
فهذه دافني ابنة رب النهر بينيوس الذي يجري في تساليا، أحبها أبولو بخدعة من كيوبيد. فذات يوم عندما كان أبولو عائدا من الصيد شاهد كيوبيد بن فينوس يلعب بقوسه وسهامه. فعير ذلك الإله الصغير بقوله: «اترك أمثال هذه الأسلحة لمن يمكنهم فهمها واستخدامها.»
فأجابه كيوبيد قائلا: «ستعرف تماما كيف أنني أجيد استخدام أسلحتي، وأنني أفهمها حق الفهم.»
بعد ذلك بوقت قصير، كان أبولو يسير مع الحورية الجميلة دافني، فأبصرهما كيوبيد، وفي الحال، أمسك كيوبيد قوسه، وأطلق منها سهمين: سهما رصاصيا نحو دافني؛ ليثير بغضها لأبولو، وسهما ذهبيا نحو أبولو ليولد الحب في قلبه.
منذ تلك اللحظة صارت حياة أبولو عذابا لا ينتهي، وجحيما لا يطاق. فكلما استخدم فنون الاستمالة في مغازلة دافني، وتوسل إليها بشتى طرق الإغراء، زادت هي جفاء، وغدت عاطفتها نحوه أكثر برودا، وأخبرته بأنها تمقت كل فكرة عن الحب، وأن متعتها لا تكمن إلا في الصيد وممارسة رياضات الغابات. وإذ ثارت ثائرة أبولو صمم أخيرا على أن يخطفها، ويجعلها زوجته رغما منها، ورغم برود عاطفتها. فقبض عليها، ولكنها أفلتت من قبضته، وهربت داخل الأحراش والغابة. وكلما أسرعت دافني في فرارها، بدت أكثر جمالا في عيني ذلك الإله، فزاد من سرعته وهو يطاردها، وبذا زادت صعوبة فرارها منه أكثر فأكثر. وأخيرا خارت قواها فارتمت على الأرض، وبينما هي تسقط تلت صلاة تتضرع بها إلى أبيها.
অজানা পৃষ্ঠা