3
في الجهة الشمالية من تلك القرية كوخ صغير منفرد بين الحقول تسكنه امرأة تدعى راحيل مع ابنتها مريم غير المتجاوزة الثامنة عشرة من سنيها، هذه المرأة هي أرملة سمعان الرامي الذي وجد قتيلا في البرية منذ خمسة أعوام ولم يعرف قاتله بعد.
كانت راحيل مثل جميع الأرامل الفقيرات تعيش بالاجتهاد والعمل مخافة الموت والفناء، فكانت تخرج أيام الحصاد وتلتقط السنابل المتروكة في الحقل وفي أيام الخريف كانت تجمع فضلات الأثمار المنسية في البساتين وفي الشتاء كانت تغزل الصوف وتخيط الأثواب لقاء دريهمات قليلة أو مكيال من الذرة، وكانت جميع أعمالها مقرونة بالثبات والصبر والاعتناء، أما ابنتها مريم فكانت صبية جميلة هادئة تشاطر والدتها الأتعاب وتساهمها أعمال البيت.
ففي تلك الليلة المخيفة التي وصفناها كانت راحيل وابنتها جالستين بقرب موقد قد تغلب البرد على حرارته واكتنف الرماد جمره، وفوق رأسيهما سراج ضعيف يبعث أشعته الصفراء الضئيلة إلى قلب الظلمة مثلما تبعث الصلاة أشباح التعزية إلى كبد الفقير الحزين.
انتصف الليل والمرأتان جالستان تسمعان ولولة الأرياح خارجا ومن وقت إلى آخر كانت الصبية تقف وتفتح الكوة الصغيرة وتنظر نحو الفضاء المظلم ثم تعود إلى مكانها مضطربة مرتعبة من غضب العناصر.
في تلك الدقيقة تحركت الصبية فجأة كأنها استيقظت من سبات نوم عميق والتفتت بوجل نحو أمها وقالت بسرعة: «هل سمعت يا أماه؟ هل سمعت صوت صارخ مستغيث؟»
فرفعت الوالدة رأسها وأصغت هنيهة ثم أجابت: «لا لم أسمع سوى عويل الأرياح يا ابنتي.»
فقالت الصبية: «أنا قد سمعت صوتا أعمق من هزيم الريح وأمر من عويل العاصفة.»
قالت هذه الكلمات وانتصبت واقفة وفتحت الكوة وأصغت دقيقة ثم قالت: «قد سمعت الصراخ ثانية يا أماه.»
فأجابت الأم وقد أسرعت مرتاعة نحو النافذة: «وأنا قد سمعت أيضا ... تعالي نفتح الباب وننظر ... أوصدي النافذة كي لا تطفئ الريح السراج.»
অজানা পৃষ্ঠা