فازداد وردان إعجابا به، وأيقن أنه من خاصة الروم، وجعل ينظر إلى لباسه ويتأمله، فرأى في عنقه سلسة ثمينة من الذهب، لا يتأتى لمن كان في مثل لباسه أن يتقلدها، وقام في نفسه أنه من كبار القواد، فأراد التحقق وهم بانتزاع السلسلة، فمنعه أركاديوس وقال له: «لا تمد يدك إلى ثيابي، فإنما أنتم تطلبون نفسي وهي في أيديكم.»
فأخذ وردان من جرأته، وازداد رغبة في أخذ السلسلة، وقال له: «اخسأ ولا تكثر من الهذر والهذيان وأنت مقيد في الأغلال، ولئن لم تنته عن الإسراف في القول لأضربن عنقك بهذا الحسام.»
فجحظت عينا أركاديوس، وعض على شفتيه من الغيظ وقال: «كفى تهديدا وثرثرة، إن الشجاعة لا تكون بقتل الأعزل، فأبلغ أميركم عني هذا، وإنني على استعداد لمبارزة أي شجاع من رجالكم.»
فهابه وردان، وتذكر أن عمرا حظر قتله، فتركه وسار إلى عمرو ليخبره بما دار بينهما ويحرضه عليه. أما أركاديوس فظل الغيظ يشتد به حتى دمعت عيناه. لكنه تذكر أنه في الأسر ولا يليق به البكاء، فتجلد وانتظر ما يأتي به القضاء، وفيما هو في ذلك جاءه وردان يدعوه إلى الأمير، فسار معه يجر قيوده وهو لفرط غيظه لا يكاد يبصر أحدا من الجنود العرب الذين خرجوا من خيامهم ليشاهدوه. حتى وصل إلى خيمة عمرو فوجده جالسا في صدرها وبين يديه أمراء جنده، وبجانبه رجل في زي غير عربي، وابتدره عمرو قائلا: «علمنا أنك لا تزال تطاول وتتحدى رغم ما أنت فيه من الأغلال.»
فقال أركاديوس: «ليس الأسر عارا على الرجال، وإنما العار أن تقيدوني وأنا واحد وأنتم ألوف.»
فقال عمرو: «حلوا قيوده لنرى ما يكون من أمره.» ولما حلوها قال له عمرو: «ها قد حللنا قيودك فما شأنك؟» قال: «إن أنصفتم فلينهض إلى مبارزتي أحد رجالكم، فإن غلبني فدمي حلال له.»
فهم أركاديوس بأن يفصح عن أمره، ولكنه أمسك، وقال: «إن ساحة الحرب تميز الوضيع من الرفيع.»
فازدادت رغبة عمرو في معرفته وقال: «أصدقنا الخبر يا رجل، ولك منا الإنصاف.» قال: «وماذا تريدون مني؟» قال: «قل من أنت، فإنا نراك فوق عامة جندكم شجاعة.»
قال: «إن بين عامة جندنا رجالا أصعب مني مراسا وأشجع، أم حسبتم أننا مثل من لقيتم من جند الشام؟»
فأمر عمرو بتقييده ثانية وقال له: «حسبنا فك قيودك سيحملك على ترك التطاول والعناد، ولكنك أخلفت ظننا بك.»
অজানা পৃষ্ঠা