الفصل التاسع
أركاديوس يبحث عن أرمانوسة
فلندعهم يفتشون عن مارية، ولنرجع إلى أركاديوس، فقد فارقناه في الحصن بعد مسير بربارة وهو على موعد معها لتطلعه على ما يحدث لأرمانوسة، فقضى بضعة أيام على مثل الجمر إلى أن استبطأ عودتها فقلق، وخاف أن يكون في الأمر خديعة، وندم على إعطائه خاتمه لامرأة لم يرها إلا مرة، ففكر في ذلك طويلا فلم يهتد إلى حل، وأراد أن يرسل رسولا إلى بلبيس يستطلع الحقيقة فخاف انكشاف السر، فجلس ذات ليلة إلى النافذة التي خاطب بربارة إلى جانبها فتذكر ما مر به، وتقاذفته الهواجس، ثم دخل عليه جندي وقال: «إن سيدي الأعيرج يدعوك إليه حالا.» فأسرع إليه فإذا هو يتمشى في أرض الغرفة ذهابا وإيابا وقد أخذ منه الغضب مأخذا عظيما، فلما دخل أركاديوس سلم عليه وسأله عن أمره فقال: «خذ يا أركاديوس هذا الكتاب واقرأه.» فتناوله فإذا هو مكتوب باللغة القبطية وعليه توقيع البطريرك بنيامين.
فقال: «وما هذا يا سيدي؟» قال: «أنا لا أحسن قراءة القبطية، لكني فهمت من هذا الكتاب أنه مرسل من البطريرك عدو الرومان، وقد فسره لي حالا.»
فقرأه أركاديوس فإذا هو حقا كما قال أبوه، وكان هو الكتاب الذي أرسله جرجس من بلبيس ليعطيه للمقوقس، فعلم أركاديوس أن أباه إذا عرف ما فيه قبض على المقوقس للتو والساعة، وتعاظم الشر بينهما، فيكون ذلك سببا ليأسه من نيل أرمانوسة، فحرف الترجمة وقال: «إن فيه تحريضا للمقوقس على الروم، وربما كان ذلك على غير رضى المقوقس أو علمه؛ لأن الكتاب مرسل من بنيامين كما ترى.» فأدرك الأعيرج أن أركاديوس يريد إخفاء شيء من الحقيقة فقال: «أراك تمالئ الأقباط على أمرهم يا أركاديوس وتتجاهل الحقيقة، وما أدراك أن ذلك بغير رضى المقوقس، وقد ثبت لنا أن هؤلاء القبط لا يحبوننا؟»
فقال أركاديوس: «وما الداعي لانحيازي إليهم وأنا أول نصير للروم كما تعلم، ولا أحب أحدا غير الرومان؟»
قال: «لا أنكر صدق انتصارك للروم، ولكنني شممت من كلامك رائحة الدفاع عن القبط، ونفسي تحدثني بأن أبعث إلى المقوقس، وهو الآن في الحصن، فأقبض عليه وأجعله في القيود.»
فحار أركاديوس في أمره، وخاف تفاقم الخطب وذهاب آماله أدراج الرياح فقال: «تمهل يا أبي، إني أعهد فيك التروي والحزم. ألا تعلم أن ظهورنا بعداوة القبط يضر بنا؛ لأنهم يرون في ذلك بابا للخروج عن طاعتنا، والعدو على الأبواب، فيكونون عونا لهم علينا، فأرى من الحزم أن نتغافل عن أعمالهم، ونظهر لهم الإخلاص إلى أن نرى ما يكون من حربنا مع العرب.»
فتبصر الأعيرج برهة ثم قال: «صدقت يا بني، وقد عزمت على العمل بما رأيت فأبق هذا الأمر سرا، أما المقوقس فأقسم بشرف الروم وكرسي القسطنطينية لأنتقمن منه، فقد نسي هذا الخائن أصله وخان دولته، وتحدثني نفسي أن أكتب إلى الإمبراطور ليعلم خيانته فلا يصاهره، ولكن صبرا، فإن لحمه ولحم ابنته وسائر أهل بيته سيكون طعاما للسمك، فإن غدره سينكشف قريبا، وعلى الباغي تدور الدوائر.»
قال ذلك وأخذ ينزع ثيابه للرقاد، فودعه أركاديوس وخرج، وقد ازداد بلباله وعظم عليه غضب أبيه مما زاد العراقيل في سبيل حصوله على أرمانوسة، ولما سمع والده يهدد المقوقس ويذكر ابنته تقطع قلبه حزنا عليها، ولكنه كظم الغيظ ليتدبر الأمر بالحيلة، فقام إلى غرفته، وهو لا يكاد يرى طريقه لشدة التأثر، وبات ليله لا يستطيع رقادا فأخذ يفكر في أمر أرمانوسة وقسطنطين وأبيه، وقد علم أنها إذا نجت من مخالب قسطنطين فلا يأذن له والده بالاقتران بها.
অজানা পৃষ্ঠা