ثم خرجت بربارة فرأت المكان قفرا، وليس حولهم إلا بعض الأحمال التي تركوها سهوا للهفتهم واستعجالهم، وقد أمعنوا في الهرب حتى كادوا يتوارون عن النظر، فنادت بربارة سيدتها فخرجت وهي لا تصدق أنهم فروا، فرأت المكان خاليا إلا من خيمتها وخيمة جواريها.
فقالت: «يا مرقس أرى رجلا بلباس عربي على تلك الأكمة فمن هو؟» قال : «هو يا سيدتي رسول من الأمير عمرو إلى سيدي أبيك، وسأحكي لك حكايته بعد أن يهدأ روعك.»
فأنفذته إلى حاكم بلبيس ليبعث من يحملها إلى منزلها، فأسرع الحاكم وجاء بجماعة من رجاله حملوا السيدة أرمانوسة وحاشيتها إلى قصرها وهم يعجبون لما تم، فقصت بربارة على الحاكم خيانة يوقنا، فحمد الله على نجاة أرمانوسة من الشرك.
وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب، وأراد مرقس الذهاب إلى القرية لتفقد خطيبته، فقالت له بربارة: «ثق يا مرقس أن سيدتي كثيرة الثناء على غيرتك. أتقص علينا قصتك أم تذهب لمشاهدة خطيبتك؟» قال: «لك الأمر، ولكني أحكي الحكاية باختصار.» وأخذ يسردها عليهما كما وقعت حتى وصل إلى سقوطه عن الجمل وكيف حمله ذلك العربي الطويل الأسود إلى المعسكر وضمد جراحه، وأنه انتظر أول فرصة قابل فيها عمرا وأطلعه على حكاية يوقنا، فأعطاه ذلك الكتاب يهدده فيه ويأمره بألا يمس أرمانوسة إلى أن قال: «والعربي الذي شاهدتماه معي إنما هو زياد خادم يحيى النحوي.» وحكى لهما حكايته، وأنه يحمل كتابا سريا إلى المقوقس وفيه الأمان للقبط كافة. وبينما هم في الأحاديث، وقد خيم الغسق، إذا بخادم يقول: «بالباب رجل يستجير.» قالت: «دعوه يدخل.» وإذا هو كهل ينوح ويندب ويقول: «قد أخذوها يا سيدتي، قد ظلمونا يا مولاتي.» فعرف مرقس أن الباكي عمه المعلم اسطفانوس، فهب من مجلسه وناداه: «ما الخبر يا عماه؟» «فذعر الرجل وقال: «أأنت هنا يا مرقس وقد أخذوا مارية منك؟ آه يا ولداه.»
فصاح مرقس: «ومن أخذها يا عماه؟ أخبرني.»
قال: «أخذها ذلك الخائن الذي كان قد سعى في قتلها وإلقائها في النيل، فإنه لما رأى الجند قد حملوا على بلبيس، والحال حال حرب، جاءنا في هذا الصباح ببعض رجال أبيه وأوسعونا ضربا ولكما وحملوا مارية وفروا بها.»
فاشتد غضب مرقس واسودت الدنيا في عينيه فحملق وقال: «إلى أين أخذوها؟» وهم بالوقوف، وقبض على حسامه، فقال: «قد مضوا بها إلى حيث لا أعلم، ولكنهم ساروا غربا، وربما قصدوا جهة عين شمس.»
فأراد الخروج وهو في أشد حالات الارتباك، فأمسكته بربارة قائلة: «تمهل يا مرقس، فإنك ربما سرت إلى جهة غير التي ساروا فيها.»
ثم بعثت إلى الحاكم فحضر فقالت له: «إن سيدتي أرمانوسة توصيك بمساعدة هذا الشاب، فإن ابن حاكم القرية قد اختطف خطيبته وفر بها، فابعث شرذمة من رجالك بثها في الطريق التي قد يسير فيها ذلك الغادر، وليبحثوا عنه ويأتوا به وبالفتاة حيثما وجدوهما.» فبعث الحاكم رجاله فرسانا ومشاة في كل الجهات. أما مرقس فإنه أخذ شرذمة من الرجال وخرج بهم، فلقيه زياد فسأله الخبر فأطلعه عليه فقال: «أنا أسير معك يا صديقي، ولا تخف فسآتيك بمارية في خير.»
فتفرقت السرايا على هذه الحال، وبقيت أرمانوسة وبربارة تنتظران النتيجة بفارغ الصبر، وقد شغلهما أمر مرقس كثيرا؛ لأن ذهاب خطيبته كان - إلى حد ما - بسببها.
অজানা পৃষ্ঠা