فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وبينما هم في ذلك إذ دخل أحد رجال يوقنا يستأذنه بدخول رسول من الأمير عمرو بن العاص، فبغت يوقنا وبهت، ولكنه أذن له بالدخول، فدخل فإذا هو بلباس السفر، وقد علاه الغبار، وعلى رأسه العقال، فحيا يوقنا ودفع إليه كتابا ففضه وقرأه، وأرمانوسة وبربارة تنظران إلى الرسول وتتأملانه وترجوان خيرا من قدومه، فنظر هو إليهما وحياهما، وهم بيد أرمانوسة كأنه يحاول تقبيلها، وسلم على بربارة، فتفرست فيه فإذا هو مرقس، فأشارت إلى سيدتها، وهمست في أذنها إنه مرقس رسولها، فالتفتت إليه أرمانوسة فآنست في وجهه أمارات البشر، ونظرتا إلى يوقنا وهو يقرأ الكتاب فرأتا لونه يتغير، والرق يرتجف بيده من شدة التأثر، وما أتم قراءته حتى ظهر عليه الارتباك، ووقف برهة صامتا ينظر إلى الكتاب كأنه يقرؤه، ولكنه كان غارقا في بحار الهواجس.
ثم تظاهر بالتجلد وقال لمرقس: «كيف فارقت الأمير؟» قال: «فارقته وقد ترك الفرما قادما إلى بلبيس.» فأسرع يوقنا في الخروج ولم يلتفت إلى أرمانوسة ولا إلى غيرها.
أما أرمانوسة فإنها توسمت في مجيء مرقس خيرا وقالت: «بم جئت يا مرقس؟ وما الذي أوجب غيابك؟» فتقدم وقبل الأرض بين يديها قائلا: «لقد جئت بالفرج يا مولاتي، وأما تأخري فقد كان بقضاء منه تعالى.» ثم أراد أن يقص حكايته فخاف أن يسمعه يوقنا، فكلمها بالقبطية قائلا : «علمت بخيانة هذا الرجل، وأنه قادم بدسيسة متظاهرا بأنه رسول قسطنطين وما هو بمرسل منه، ولكنه غادر خائن يسعى لخير نفسه، أما الكتاب الذي جئت به الآن فهو من عمرو بن العاص أمير العرب القادمين لفتح هذه البلاد، يهدده فيه ويأمره ألا يتعرض لك بسوء.»
فرفعت بربارة يديها إلى السماء قائلة: «نحمد الله على ما أتانا من الخير على يدك يا مرقس. إنك أهل لأعظم مكافأة على هذه الخدمة، والمستقبل بيننا.»
أما أرمانوسة فلم تعلم كيف تشكره، على أن علو مكانتها أمسكها عن كثرة الإطناب فيه، ولكن ظواهر الشكر كانت تتجلى على وجهها.
فقالت بربارة: «أخاف أن يحمله غيظه على الإسراع في أذيتنا انتقاما منا.» قال: «لا أظنه يجسر على الإتيان بحركة بعد هذا الكتاب، فإنه يهدده تهديدا شديدا إذا مسكما بسوء، ولا أظنه إلا مبادرا إلى الفرار حالا، وها أنا ذا ذاهب لاستطلاع الخبر، لتكونا في اطمئنان وراحة، والاتكال على الله.» قال ذلك وخرج، فتقدمت بربارة إلى سيدتها وقبلتها قائلة: «الحمد لله يا سيدتي، إن باب الفرج قد فتح.»
فقالت أرمانوسة: «لا أزال خائفة يا بربارة، وما أدرانا أن العرب يحسنون معاملتنا، فقد نكون خلصنا من شر لنقع في شر أعظم.»
قالت: «ثقي بالعرب؛ لأنهم إذا أمنوك فأنت في أمان، مع ما نعلمه من مخابرة سيدي والدك لهم، وعلى كل حال فإن الأمر لله، فخففي الآن ما بك واتكلي عليه.»
أما مرقس فخرج من الخيمة فرأى يوقنا ورجاله يحملون أحمالهم، وقد ركب يوقنا جواده وكان رجاله راكبين مستعدين للرحيل قبل مجيء مرقس كما قدمنا، فعاد بلهفة ينبئ أرمانوسة بفرار يوقنا، برجاله، وهم جماعة كبيرة فقالت: «إلى جهنم.»
অজানা পৃষ্ঠা