فلما دخل حياها باحترام فردت التحية، وهي لفرط ما قاسته من الوجد والهيام قد هزل جسمها وامتقع لونها، ونظرت إلى الحاكم فإذا هو ممتقع اللون أيضا فازداد قلقها فقالت: «ما وراءك أيها الحاكم؟»
قال: «قد أتتنا الجواسيس بنبأ دخول العرب حدود مصر، وأن فرقة منهم وصلت إلى الفرما، فهل أرسل إلى سيدي المقوقس بذلك؟ فإنه أوصاني عندما كان هنا في زيارته الأخيرة أن أستشيرك في مثل هذه الأمور لما يعهده فيك من الحكمة والدراية.»
فلما سمعت أرمانوسة قوله خفق قلبها، ولم تعلم بماذا تجيبه، وبعد التأمل برهة قالت: «لا بد من إبلاغه الخبر حالا واستنجاده، فإن العرب لا يلبثون أن يصلوا إلينا، ولا أظن حامية بلبيس كافية لدفعهم.» فقال: «إذا أمرت مولاتي أنفذت من يطلب المدد.» فقالت: «لا بد من ذلك فافعل.» فخرج مهرولا.
ولما خلت بربارة بسيدتها قالت لها: «ربما ذعرت يا سيدتي لهذا الخبر ولكني أحسبه بابا للفرج.» قالت: «وكيف ذلك يا بربارة؟»
قالت: «لأن سيدي المقوقس في الحصن الآن، وإذا جاءه الخبر أبلغه الأعيرج فيعلم به سيدي أركاديوس، فإذا كان محبا لأرمانوسة حقيقة جاء بنفسه مددا لحامية بلبيس، وهذا ما نتمناه.»
قالت أرمانوسة: «صدقت يا بربارة، فافعلي ما تريدين لأني لا أعي شيئا، وسأنتظر عودة مرقس لأرى ما حدث لذلك الرجل (تريد قسطنطين).» ولحظت بربارة عظم ارتباك سيدتها وقلقها فقالت لها: «هلم بنا يا مولاتي ننزل إلى الحديقة فتنزهين طرفك في الرياحين والأزهار، ولنترك المقادير تجري في أعنتها، والله يدبر الأمر كيف يشاء.»
فقالت أرمانوسة: «إني أفضل الانزواء على التنزه؛ لأن قلبي لا يسر لشيء، ولا يرتاح لي بال قبل الوقوف على حقيقة الخبر.»
فقالت: «دعي التدبير لله.»
قالت ذلك وأمسكتها بيدها وأنهضتها، وجاءتها برداء أرجواني ثمين ألبستها إياه، وزينتها بحليها وجعلت على رأسها شبكة ثمينة من اللؤلؤ، وضفرت شعرها، ومشت أمامها إلى الباب، فخرجت أرمانوسة في أثرها، ولما علمت نساء القصر بخروج أرمانوسة أطللن من النوافذ ليشاهدن حسن زيها، فقد كن معجبات بجمالها وهندامها.
فسارت في الحديقة تخطر بين الأشجار وهي لا ترتاح إلى شيء لتعاظم هواجسها، فجعلت بربارة تسليها بالحديث وهي لا تنطق ببنت شفة.
অজানা পৃষ্ঠা