قالت: «لا أرى أن تسير ليلا خوفا عليك من خطر الطريق، ولكنني قد تذكرت شيئا أقوله لك وأظنه يساعدك كثيرا في إتمام هذه المهمة.»
قال: «وما هو؟» قالت: «أرى أن تستحضر ثوبا مثل أثواب العرب، لأنك إذا التقيت بهم وأنت بهذا اللباس قتلوك.»
فقال: «ولكنني لا أعرف لباسهم، ولا أذكر أني شاهدت أحدا منهم.»
قالت: «أنا أعرف لباسهم لأني شاهدت عربيا جاء مرة إلى سيدي المقوقس بكتاب، وكان ملتحفا شملة بيضاء وعلى رأسه عمامة من نسيج تلك الشملة، فعليك بثوب من نسيج القطن الأبيض أو من القباطي وهو كثير عندنا، وأنا أصنعه لك ثوبا وأعلمك كيف تلف العمامة.»
قال: «فأذني لي بالذهاب الآن لإحضاره.» فأذنت له فخرج وقد ازداد تهيبه لذلك السفر، وخاف أن يقتل أو لا يرجع إلى حبيبته ولا يراها، فرأى أن يغتنم تلك الفرصة لوداعها فسار مسرعا إلى القرية، وكان قد ترك مارية رغما عنه ليلاقي بربارة ويشكرها على صنيعها ويسلم المركبة إليها، وكانت مارية تنتظر عودته سريعا، فلما أبطأ انشغل بالها عليه، وقلق والدها لغيابه، فلما جاء المساء انقبضت نفس الفتاة، وجعلت تتردد إلى باب الدار، وتطل على الطريق تتفرس في المارة لعلها تراه قادما، وكلما رأت شبحا ظنته هو، وبينما هي كذلك رأت رجلا مسرعا نحو الباب فعرفت من حركاته أنه مرقس، فدخلت وأخبرت والديها ففرحا كثيرا وخف الجميع لاستقباله، ورحب به والداها وقبلاه. أما الفتاة فبقيت واقفة مطرقة وقلبها يختلج فرحا فحول وجهه نحوها وحياها فمدت يدها تسلم عليه فأحس بيدها باردة كالثلج، فشعر كل منهما بقشعريرة الحب، أما هو فتذكر ما جاء من أجله واضطراره إلى الرجوع حالا فانقبضت نفسه، ولكنه تجلد وأظهر الانبساط، فدخل الجميع إلى غرفة الاستقبال وهم يرحبون بمرقس ويبالغون في مدحه والثناء على شهامته لما أتاه من الهمة في إنقاذ مارية، وهو لا يجيبهم خجلا، فلما أكثروا من المدح التفت إليهم قائلا: «يجب علينا جميعا أن نشكر الذي كان السبب الحقيقي في هذا الخير.»
فقالوا: «ومن هو حتى نذهب إليه ونشكره ونقدم أنفسنا عبيدا له؟»
قال: «وماذا يستحق هذا الفاعل عندكم؟»
فأجابوا جميعا بصوت واحد: «يستحق كل خير، وأمره علينا لا مرد له.»
قال: «إن السبب في ذلك الخير كله مولاتنا أرمانوسة ابنة مولانا المقوقس، فما قولكم؟»
فصاحوا بصوت واحد: «لتعش أرمانوسة، ولكننا لا يمكننا مكافأتها لأنها لا تحتاج إلينا في شيء، وعندها من الخدم مئات مثلنا.»
অজানা পৃষ্ঠা