وما كانت هذه أول ليلة يستدير فيها، ولا كانت هذه أول مرة يكح فيها ويزوم ويعبس، وهو لا يذكر كم شهرا مضت، وهل بدأت المسألة عقب أيام العيد الصغير أم قبله، وهناك ضباب كثيف بينه وبين البداية، فما فكر في الأمر أبدا ولا اعتبر ما حدث - يوم حدث - بداية لأية نهاية، تماما كما لم يتبين جاره سي أحمد الكمساري في شركة الأوتوبيس أن السخونة التي أصابت ابنته، ممكن أن تكون البداية لنهاية يعزيه فيها الناس على البنت.
والناس على هذه الحال، وكذلك رد ما أصابه في تلك الليلة إلى نوبة البرد التي ألمت به، ومرت أيام. وراح البرد من جسده، وحين استيقظ ذات صباح، ووجد العافية قد ردت إليه، قرر أن يفعلها في نفس المساء.
وانشرح خاطره لقراره ومضى إلى الميدان يردد في انتعاش مطلع الموال الوحيد الذي يعرفه، وتسلم صرة الميدان كما تركها، ووقفت العربات لإشارته كما اعتادت أن تقف، ويده قوية في قفازها الأبيض القديم كما كانت طول عمرها، وبدلته بزرائرها الصفراء اللامعة محبوكة عليه، تبرز أكتافه، وتضيق فوق كرشه فتكوره وتجعله كالبطيخة أمامه، وقبعته يلمع فوقها الدهان الذي لا يفلح في إخفاء كل ما فيها من قذارة وبلى، وقلمه الثابت الثقيل في يده يلتقط نمرة العربة في سرعة الواثق من يومه وأمسه وغده يدونها بخطه الواضح الذي كان يفخر بجماله، كانت الدنيا هي الدنيا، الدنيا التي هنا والتي هو ملكها، كانت لا تزال بخير، ولا يزال يتربع على عرشها، ويحكمها بصفارته، ويعز من يشاء، ويذل من شاء فقط متى لوح بقفازه.
وحين كان يكتب أول مخالفة كان عقله سارحا في الليلة التي سينفض فيها عن نفسه خمول المرض الذي لازمه أسبوعا، ولكن أمور اليوم شغلته، وعيونه الزائغة هنا وهناك تنقر المخالف من تحت حافة القبعة، هذه العيون ألهته عن الخاطر، ولم يتنبه له إلا هناك، حين كان يجاهد في خلع حذائه الميري الثقيل، وقد ألقى بجسده المنهوك على «الكنبة»، وامرأته تلقي إليه بتحيتها الوادعة، ثم تتربع على الأرض وتقول في حماس أطفأت العادة جدته: عنك أنت.
وطوقت يدها اللينة قليلا سمانة رجله، بينما مقدمة حذائه أصبحت مدفونة بين أثدائها، وحينئذ نقر الخاطر فوق رأسه.
ولم يعتبر ما جاء في باله عملا صبيانيا، فراح يزغزغ المرأة بحذائه الثقيل العريض، وهي تضحك، وتنهره، وتدفعه، وتميل إلى الوراء، ثم على جانبها، حتى تكاد تلمس الأرض، وتشدد من قبضتها على عضلات رجله، وترخي القبضة في بطء، وهو قد استمرأ اللعبة، وانتشى وهو يعب من صوت امرأته التي كانت تمطه، وترفعه، ثم تحيله همسا، ونصفها يضحك، ونصفها يتدلل، وكلها تريد وترغب. •••
في ضباب البداية يذكر رمضان هذه الليلة ولا ينساها، فقد حاول في كل دقيقة منها وسالت عليه بحور العرق، وقد أصم شعوره عن العالم، وأصبح هو وامرأته والفراش كل دنياه وتفكيره.
وأزاحته المرأة مرات ومرات، ولعن أباها آلاف المرات، والمعركة تدور وتدور لا تهبط إلا حين يتململ الصبي، حتى يكاد يستيقظ، وتبدأ حين يعود إلى غطيطه، ويعود اللعاب يسيل من جانب فمه.
وهجعت المحاولات قرب الفجر، ونامت المرأة، ولم ينم رمضان.
وليلتها مضت، وليلة أخرى جاءت، وصراع جديد نشب، وثقة رمضان في نفسه ورجولته تستميت وهي تدافع عن نفسها، والواقع وما يحدث يسلب هذه الثقة كل ما تملك.
অজানা পৃষ্ঠা