عمارة القبور في الإسلام - المبيضة - ضمن «آثار المعلمي»
عمارة القبور في الإسلام - المبيضة - ضمن «آثار المعلمي»
তদারক
علي بن محمد العمران
প্রকাশক
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٣٤ هـ
জনগুলি
عمارة القبور في الإسلام - المبيضة
تأليف
الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني
(١٣١٣ - ١٣٨٦ هـ)
رحمه الله تعالى
تحقيق
علي بن محمد العمران
مقدمة 5 / 1
راجع هذا الجزء
محمد أجمل الإصلاحي
سعود بن عبد العزيز العريفي
مقدمة 5 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذه رسالة محررة من مؤلفات الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى في مسألة من مسائل الفقه من حيثُ أصلُها، ولها تعلُّق بالعقيدة من حيث نتائجُها وما تفضي إليه، وهي مسألة البناء على القبور وحكمها في الإسلام؛ فحرّر القولَ فيها على طريقة الاجتهاد؛ من ذكر النصوص في المسألة، ثم النظر فيها ثبوتًا ودلالةً، على نحوٍ لم يسبقه إليه أحد ممن تكلم في المسألة، على عادة المصنف ﵀ في التحقيق والتحرير.
وقد كُتب في هذه المسألة عدة مصنفات، وذكر المؤلف في مقدمة رسالته هذه أنه اطلع على بعض ما أُلف في هذه المسألة، فأراد هو أن ينظر فيها نظرَ متحرٍّ للحق بدليله من الكتاب والسنة. فكان ذلك ولله الحمد.
* فمِن المصنفات في المسألة على نهج أهل السنة ما يلي:
١ - رسالة في أن ما يوضع على القبور باطل، لنوح الرومي (ت ١٠٧٠ هـ)، مخطوط في دار الكتب المصرية (^١).
_________
(^١) انظر "معجم الموضوعات المطروقة": (٢/ ٩٥٥).
مقدمة 5 / 5
٢ - شرح الصدور في تحريم رفع القبور، للشوكاني (ت ١٢٥٠ هـ). وهي رسالة صغيرة لا تزيد على ست عشرة صفحة. وقد اطلع عليها المؤلف ونقل منها في مسوّداته لهذا الكتاب، انظر مجموع رقم (٤٧١٧) في مكتبة الحرم المكي ص ٥٧. لكنه لم ينقل منه في هاتين النسختين (المبيضة والمسوّدة) اللتين بين يديك.
٣ - العِلْم المأثور والعَلَم المشهور واللواء المنشور في بدع القبور (^١).
٤ - كتاب القاضي العدل في حكم البناء على القبور، كلاهما لتقي الدين محمد بن عبد القادر الهلالي (ت ١٤٠٧ هـ). وهذا الأخير طبع سنة ١٣٤٦ هـ. وكان قد نُشر قبل ذلك في السنة نفسها في "مجلة المنار"، ثم أعيد طبعه سنة ١٤٣٠ هـ بتحقيق د. صادق بن سليم. وهو رد على القزويني الرافضي.
* ومن المصنفات على طريقة أهل البدع:
٥ - البيت المعمور في عمارة القبور، لعلي النقوي اللكهنوي الرافضي (ت ١٤٠٨ هـ). وقد طبع في الهند سنة ١٣٤٥ هـ (^٢). وهو ردّ على الوهّابية كما ذكر مؤلفه (^٣)!
_________
(^١) ونُشرت هذه الرسالة أولًا في "مجلة الهدي النبوي" مجلد ٣٠ الأعداد ٣ - ٥، ٧ - ١٠ عام ١٣٨٥ هـ بعنوان "العلم المأثور والعَلَم المنصور واللواء المنشور في الرد على أهل الغرور المستنجدين بالمقبور".
(^٢) انظر "معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية" (ص ٣١٧ - ٣١٨).
(^٣) انظر ترجمته لنفسه المنشورة في مجلة ينابيع عدد ٣٢ لعام ١٤٣٠ هـ.
مقدمة 5 / 6
٦ - إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء القباب على القبور، لأحمد بن الصديق الغماري (ت ١٣٨١ هـ). ولا أدري هل اطلع المصنف على هاتين الرسالتين؟
٧ - الردّ على الوهابية، لحسن صدر الدين الكاظمي الرافضي (ت ١٣٥٤ هـ). وهذه الرسالة طبعت سنة ١٣٤٥ هـ. وهي لا تختصّ بمسألة البناء على القبور، بل معها جملة من المسائل في التوحيد والتوسل والشفاعة. وهذه الرسالة هي التي تعرّض المصنف لها بالنقد في عدّة مواضع من الكتاب، وسمّى مؤلِّفَها صراحةً، كما سيأتي في مبحث سبب تأليف الكتاب.
* * * *
ورسالتنا هذه كتبها المؤلّف عدة مرات في عدة نسخ، وقفتُ منها على ثلاث (سيأتي وصفها ص ٢٢ - ٢٤)، مع تقييدات أخرى متفرقة في المجاميع تتعلق بالموضوع، لكن ليست فيها نسخة مبيّضة نهائيّة، فكلها مسوّدات يكثر فيها الضرب والشطب والإلحاق والبياضات ...، لكن أكملها وأمثلها ترتيبًا هي التي أطلقتُ عليها (المبيضة)، وسميت النسخة الأخرى (المسوّدة). وأوضحت في مبحث مستقل (انظر ص ٢٠ - ٢٢) الفروق بينهما ودواعي نشر النسختين معًا، ولماذا لم نكتف بما اعتبرناه (المبيّضة).
وقد قدّمتُ بين يدي هذه الرسالة في نسختيها عددًا من المباحث لمزيد التعريف بها، وهي:
- أولًا: اسم الكتاب.
- ثانيًا: ثبوت نسبته للمؤلف وتاريخ تأليفه.
مقدمة 5 / 7
- ثالثًا: سبب تأليفه.
-رابعًا: عرض موضوعات الكتاب في نسختيه.
- خامسًا: بين المسوّدة والمبيضة، ودواعي طبعهما.
- سادسًا: وصف النسخ الخطية.
- سابعًا: منهج التحقيق.
وختمته بالفهارس المتنوّعة، اللفظية والعلمية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
في ٢٣ ربيع الأول ١٤٣٢ هـ
Aliomraan@hotmail.com
مقدمة 5 / 8
التعريف بالكتاب في نسختيه
* أولًا: اسم الكتاب:
ترك المصنف عدة نسخ من هذه الرسالة (كما سيأتي الكلام عليها) ليس على شيء منها اسمٌ لا على صفحة العنوان ولا في مقدمة الكتاب. لكن وجدت المؤلف قد ذكر اسم الكتاب صريحًا في مسوّدة الكتاب ضمن المجموع رقم (٤٧١٧) إذ قال في ص ٤ ما نصّه: "يلحق برسالة عمارة القبور في الإسلام". فهذا هو الاسم الكامل الذي وجدناه للكتاب.
ويؤيده ولا يناقضه أن المؤلف قد ذكره في كتابه الكبير "العبادة" في موضعين، وسماه هناك (عمارة القبور). قال في الموضع الأول: "وقد بسطنا الكلام على ذلك في رسالتنا (عمارة القبور) " (^١). وفي الثاني: "وقد عَثَرْتُ له على عِلَّةٍ قادحةٍ بيَّنتُها في رسالَتي (عمارة القبور) " (^٢). وعدم ذكر عبارة "في الإسلام" لا يعدو أن يكون اختصارًا أو تخفيفًا كما جرت العادة بذلك.
وهذه التسمية لا نجزم أنها التسمية العَلَمية للكتاب، ولا أنها التي استقرّ المصنف على إطلاقها على كتابه؛ لأنه من عادة المؤلف أن يختار عنوانات مسجوعة لكتبه كما ذكرتُ في موضع آخر، ولأنه عادةً ما يُتسامح في تسمية الكتب إذا جاءت في غير صفحة العنوان أو مقدّمة المؤلف، فتُذكر بموضوع الرسالة أو يُختصر العنوان أو يُتصرّف فيه. ومهما يكن من أمر فإن ذِكر المؤلف له بهذا العنوان في ثلاثة مواضع قد قرّب لنا تسمية هذه الرسالة.
_________
(^١) (ص ٧٢٩).
(^٢) (ص ٨١٥).
مقدمة 5 / 9
* ثانيًا: ثبوت نسبته للمؤلف وتاريخ تأليفه:
الكتاب ثابت النسبة لمؤلفه، فهو بخط مصنّفه المعروف في كل نسخه التي وُجدت، وهي نسخ (كما سيأتي وصفها) مسوّدة كثيرة الضرب والتعديل، وهذه لا تكون إلا من صنيع مؤلف الكتاب أو الرسالة كما هو معروف.
ومما يدلّ على ثبوت الكتاب له أنه قد ذكره في كتابه الكبير "العبادة" في موضعين (ص ٧٢٩، ٨١٥) قال في الموضع الأول: "وقد بسطنا الكلام على ذلك في رسالتنا (عمارة القبور) "، وقال في الثاني: "وقد عَثَرْتُ له على عِلَّةٍ قادحةٍ بيَّنتُها في رسالَتي (عمارة القبور) ". ولكن يُشكل على هذا أننا لم نجد هذين البحثين في الكتاب، ولعلهما في أوراق لم نعثر عليها.
ثم هو جارٍ على طريقة الشيخ المعهودة في عرض المسائل والاستدلال عليها، والتمكّنُ في الكلام على الحديث والعلل والرجال ظاهر في الرسالة.
أما وقت تأليفها، فلم يظهر بالتحديد وقت تأليفها لكني أميل إلى أنه ألّفها بعد مَقدمه إلى مكة المكرمة بعد سنة ١٣٧١ هـ، وذلك أن المؤلف تعرّض في ردّ الشبهات إلى ما أورده حَسَنٌ الصدر في رسالته "الرد على الوهابية" وسمى مؤلفها في (المبيّضة ص ١٢٦). أما في (المسوّدة ص ٥٨) فلم يذكره صراحة، لكنه ذَكَر أن بعض المتطرّفين الجهّال الذين يستحبّون البناء على القبور ... وأنه إذا أنكر عليهم أحدٌ قالوا: "وهّابي" ... وظني أن قضية الوهابية والنبز بها إنما برزت عند الشيخ ولمسها لمّا جاء إلى مكة، فالله أعلم.
مقدمة 5 / 10
* ثالثًا: سبب تأليفه:
بين المؤلف سبب تأليفه لرسالته هذه فقال في مقدمتها: "فإني اطلعت على بعض الرسائل التي ألفت في هذه الأيام في شأن البناء على القبور، وسمعت بما جرى في هذه المسألة من النزاع، فأردتُ أن أنظر فيها نظرَ طالبٍ للحق، متحرٍّ للصواب، عملًا بقول الله ﵎: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ " (^١).
ولم يسمّ المصنف هذه الكتب المؤلفة في هذه المسألة، لكنه ذكر واحدًا منها في أثناء كتابه، وهو كتاب "الرد على الوهابية" لحسن صدر الدين الكاظمي الرافضي (ت ١٣٥٤ هـ)، فذكره صراحة في موضع واحد، فبعد أن ذكر رواية موضوعة أوردها هذا الرافضي قال: "من أراد الاطلاع على تلك الرواية، فلينظرها في رسالة حسن صدر الدين الكاظمي" (^٢). وكان المؤلف قد ذكرها باسمها "الرد ... " إلا أنه ضرب عليه.
وذكر المؤلف كلام الصدر الرافضي في مواضع أخرى من الكتاب وردّ عليه، فإياه عنى بقوله (ص ٦٢): "وزعم بعض الجهال أن الحديث مضطرب". وإياه عنى بقوله: "وقد قال قائل ... " فذكر قوله ثم قال: "والجواب: أن هذا كذب من ثلاثة أوجه"، وكذلك عناه (ص ١٢٤) حين قال: "وقال آخر" ثم ردّ عليه. فهذه أربعة مواضع من المبيّضة رد فيها على
_________
(^١) (ص ٣ - المبيضة) وبنحوه في المسوّدة.
(^٢) (ص ١٢٦ - المبيضة).
مقدمة 5 / 11
ذاك الرافضي. وفي الرسالة مواضع أخر يظهر منها تعرّض الشيخ لبعض الشُّبَه التي أثارها الصدر في كتابه. أما النسخة الأخرى (المسوّدة ص ٥٨ - ٥٩) فقد ذكر بعض شُبه الصدر وأنها شُبَه الغلاة الجهال الذين يَصِمون كلّ مَن خالفهم بأنه "وهّابي"! ثم ردّ عليه.
ورسالة الصدر هذه ناقش فيها أهل السنة (ويسميهم الوهابية) في مسائل من توحيد العبادة، وزيارة القبور والبناء عليها والتبرك بها والدعاء عندها، وطلب الشفاعة، وإيقاد السُّرج، والذبائح والنذور عندها. ورأى جواز ذلك كله بل استحبابه! مستدلًّا في كثير من المسائل بمراجع أهل السنة وأحاديثهم زيادة في التلبيس والتضليل! ولأجل هذا التلبيس المتعمّد ــ فيما يظهر ــ خصّه الشيخ بالذكر والتعقّب.
* رابعًا: عرض موضوعات الكتاب في نسختيه:
١ - موضوعات المبيّضة:
بدأ المؤلف ببيان سبب تأليفه للكتاب، وأنه اطلع على بعض الرسائل المؤلفة في مسألة البناء على القبور، وعَلِم ما في المسألة من نزاع، فأراد أن يجتهد فيها طالبًا للحق، متحرّيًا للصواب بحسب الأدلة من الكتاب والسنة.
ثم ذكر أن رسالته مكونة من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.
بدأ بالمقدمة (ص ٤ ــ ١٥) وقد استغرقت اثنتي عشرة صفحة، وتطرق فيها إلى قضيتين:
الأولى: كمال الدين، وأنه لا هدي إلا هدي محمد ﷺ، واستدل على ذلك بآيتين وحديثين، ذكرهما في صدر الكلام، ثم تكلم على وجه الاستدلال منها واحدًا واحدًا.
مقدمة 5 / 12
الثانية: أن الأصل في الأشياء التي خلقها الله الإباحة ولا تنتقل عن هذا الأصل إلا بدليل، وأن أمور الدين توقيفية ليس لأحد أن يتدين بشيء إلا إذا ثبت بالكتاب أو السنة. واستدل على ذلك أيضًا بآيتين وحديثين، ذكرهما ثم ذكر وجه الاستدلال منهما، وهذه قاعدة كلية في المقاصد.
ثم خَلَص إلى القول في الوسائل وأنها على نوعين: وسيلة لا يمكن أن يؤدَّى المقصَد إلا بها، ووسيلة يمكن أن يؤدَّى بها وبغيرها.
ثم نظر المؤلف في النوع الثاني، وجعله ثلاثة أقسام:
١ ــ إن كان للوسيلة مزية دينية لا توجد في غيرها= كان لها حكم المقصد، وضَرَبَ مثالًا عليها.
٢ ــ إن لم يكن لها مزية دينية، وإنما اختيرت اتفاقًا= فلا مزية لها على غيرها.
٣ ــ إن لم يترجح أحد الجانبين فمحلّ نظر.
فإن تعدّدت الوسائل انطبقتْ عليها الأقسام الثلاثة.
ثم ذكر مثالًا وهو جمع المصحف وتكييف مشروعيته، ومن أي الوسائل هو؟ وأطال وأطاب، ثم ذكر باقي ما يَستدلّ به مَن يرى جواز بعض البدع وخرّجه على نظرية الوسائل السابقة.
ثم بيَّن معنى قوله ﷺ: "من سنَّ سنَّة حسنة" وأن المراد بالحُسن الحُسن الشرعي الذي يُعلَم بالكتاب والسنة، وخَلَص إلى أن الحاكم في الأمور الدينية الشرع، وفي الأمور الدنيوية الأمر على الإباحة والسَّعَة.
مقدمة 5 / 13
وبه خلص المؤلف إلى النظر في أمر أحوال القبور هل هي من الأمور الدينية فتكون توقيفية أو لا؟ ورجَّح أنها من الأمور الدينية بدلائل عدّة، فينبغي أن يبحث عن الكيفية التي قررها الشارع للقبور.
فبدأ بالفصل الأول (ص ١٦) فيما ثبت في كيفية القبر المشروعة.
ذكر فيه أولًا أن البحث يتركز على الكيفية الظاهرة، ثم ذكر آية ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ...﴾.
وحديث فَضالة بن عُبيد: أن رسول الله ﷺ يأمر بتسوية القبور، فَسَاق الحديث من "صحيح مسلم" بلفظه ثم عقد عنوانًا (بيانُ طرقه)، وخلص إلى أن الحديث صحيح نظيف لا غبار عليه وإن وُجد في إحدى طريقيه ابن إسحاق ... ثم ذكر أحاديث أخرى تشهد له وإن اختلفت ألفاظها، ثم ذكر بعض الآثار.
بعده عقد المؤلف عنوانًا (الأحكام المستنبطة من هذه الأدلة)، فبدأ بالآية، ثم حديث فضالة وأطال فيه، وبحث في معنى "التسوية" الواردة في الحديث، وخَلَص إلى القول: "فالمراد بتسوية القبر جعله سويًّا قويمًا على ما اقتضته الحكمة من غير إفراط ولا تفريط، وذلك على الهيئة التي قررها الشارع للقبور".
ثم تكلم على الألفاظ الواردة في بقية الأحاديث ومعانيها، وبحث بشيء من التفصيل عن لفظ "مبطوحة" التي وردت في حديث القاسم، ومعانيها المحتملة، وخَلَص إلى أن الراجح هو المعنى الرابع وهو جعل البطحاء على الشيء، وذلك يقتضي تسطيح القبر.
مقدمة 5 / 14
وخلص في آخر المبحث إلى أن ما يتعلق بظاهر القبور من الهيئة المشروعة أمور:
١ - "رد تراب الحفرة إليها وجمعه عليها بهيئة التسنيم حتى ترتفع نحو شبر باعتبار الوسط، ولا يُزَاد على ذلك إلا ما ثبت، كوضع شيء من الحصى لا يزيد في الارتفاع، ووضع حجر عند رأس القبر علامة بشرطه.
٢ - إبراز القبر" اهـ.
ثم عقد الفصل الثاني وهو تتمّة لبيان الهيئة المشروعة فيما يتصل بالقبر، وذكر صفة الهيئة المشروعة للقبر، وبحث في علة النهي عن الرفع والتجصيص ونحوه، ومال إلى أنها الخشية من أن يؤدي تمييز القبور إلى تعظيمها.
- ثم ذكر أثرين في الباب وهما في "صحيح البخاري" الأول: أثر الحسن بن الحسن لما ضربت امرأتُه قبةً على قبره سنة. والثاني: أثر خارجة ابن زيد: رأيتني ونحن شَبَبة ... إلخ. وبيَّن ضعفَ الأثرين سندًا ونكارتهما من جهة المعنى.
- ثم ذكر حديث علي ﵁: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ... (ص ٥٠ ــ ٦٩) فتكلم على رواياته وألفاظه، ثم تكلم على الاختلاف في أسانيده، ثم تكلم عن الاختلاف في متنه، ثم ذكر تنبيهين يتعلّقان بالصناعة الحديثية.
- ثم عقد عنوانًا جانبيًّا (رجوع) ذكر فيه أن ما زعمه بعضُ الجهّال (يعني حسنًا الصدر الرافضي) من أن الحديث مضطرب= مدفوع، وتعقّبه المؤلف أيضًا في قضايا حديثية عدة.
مقدمة 5 / 15
- ثم ذكر حديث جابر (ص ٧٠ - ٨٩): "سمعت النبي ﷺ نهى أن يقعد الرجل على القبر .... "، فتكلم على طُرقه وأسانيده وألفاظه، وروايات أخرى عن جابر في الباب نفسه.
- ثم عقد عنوانًا لبيان حال أبي الزبير المكي (أحد رواة حديث جابر)، وعنوانًا آخر لبيان حال سليمان بن موسى الراوي عن أبي الزبير.
- ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري: "أن النبي ﷺ نهى أن يُبنى على القبر". فذكر رواياته وأسانيده، وبحث حال القاسم بن مخيمرة أحد رواته (ص ٩٠ ــ ٩٢).
- ثم خلص إلى بحث اشتراط اللقاء بين الرَّاويَيْن (ملخّصًا) (^١) (ص ٩٣ ــ ٩٩).
- ثم ذكر حديث أمّ سلمة: "نهى رسول الله ﷺ أن يُبنى على القبر أو يجصّص" وتكلم على إسناده ورواته، ثم ذكر أثرين في الباب. (ص ١٠٠ ــ ١٠٤).
- ثم عقد عنوان (الأحكام المستنبطة من هذه الأدلّة) (ص ١٠٤ ــ ١٠٨) ــ يعني الأدلة التي أوردها في الفصل الثاني ــ من الأثرين المعلّقين في "صحيح البخاري"، فذكر ما يُستنبط منهما على فَرْض صحّتهما، فإنه قد رجّح ضعفَهما.
- ثم عقد الفصل الثالث وهو: شرح حديث عليّ المتقدم (ص ٥٠) (ص ١٠٩ ــ ١٢٨)، وشرح معه بعض الآثار في الباب.
_________
(^١) توسّع فيه في النسخة المسوّدة.
مقدمة 5 / 16
- ثم تكلم المؤلف على عدة مسائل تتعلق بالقبور هي (الكتابة، الزيادة على القبر، الجلوس على القبر ــ وأطال فيه ــ، البناء على القبر ــ وأطال فيه ــ وأخذ يردّ فيه على بعض شُبه الرافضي حسن صدر الدين الكاظمي (ت ١٣٥٤ هـ). في البناء على القبور من رسالة له سماها "الرد على الوهّابية". (راجع مبحث سبب تأليف الكتاب).
- ثم عقد المؤلف عنوانًا سماه (آية الكهف: ٢١) وهي قوله تعالى: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾، فذكر الأقوال فيها والخلاف في تفسيرها، ثم نظر فيها نظر اجتهاد وتحليل، واختار في قوله: ﴿ابْنُوا عَلَيْهِمْ﴾ أي: ابنوا عليهم مسجدًا يكون جداره سادًّا لباب الكهف، وأيّده بأنواع من الأدلة والترجيحات (ص ١٢٩ ــ ١٣٦). وبنهاية الكلام عليها ينتهي الكتاب.
٢ - موضوعات (المسوّدة):
- بدأ المؤلف بمقدمة بيَّن فيها سبب تأليفه الكتاب كما سبق في (المبيضة) وأنه لابد من الرد إلى كتاب الله تعالى لتبيين الحق في المسألة، ومن الرد إلى كتاب الله سؤال أهل العلم.
- ثم عنون بـ (عرض هذه القضية على كتاب الله) فذكر آية: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ٢١]، وذكر وجه استدلال مَن قال بجواز البناء على القبور منها.
- ثم ذكر عنوانًا (تحليل الاستدلال) فذكر فيه ما احتج به مَن يجيز ذلك ثم ناقشه وردّ عليه فقرة فقرة (ص ٦ ــ ٢٤).
مقدمة 5 / 17
- بعده ذكر عنوان (تحديد محلّ النزاع) ذكر فيه أن المقصود من دفن جثث الموتى هو مواراتها، والأصل فيه الاقتصار على القدر الكافي للمواراة، ثم ذكر حكم تعدِّي ذلك، وتتطرّق إلى الدفن في المقبرة المسبّلة، وإلى الدفن في الموات، والوصية بالدفن في المِلك، والدفن في مِلك الدافن.
فحرر محل النزاع بقوله: "بقي رفع القبر في غير الملك، بدون إحكام ولا بناء، وإنما هو بزيادة حصى ورمل وتراب يُرْكَم عليه حتى يرتفع.
وبقي الرفع، والتوسعة، والإحكام، والبناء فيما إذا كان في ملك الفاعل، وهذا هو الذي يصلح أن يكون محلًّا للنزاع" (ص ٢٥ ــ ٢٨).
- ثم بدأ بالكلام على مسألة الرفع في غير الملك، فذكر أدلة المجيزين، ثم أجاب عنها واحدًا واحدًا (ص ٢٩ ــ ٣٨).
- ثم عقد فصلًا في تسوية القبور، فذكر حديث فَضالة بن عُبيد: سمعت رسول الله ﷺ يأمر بتسويتها، وذكر طُرقه ورواياته وألفاظه.
- ثم عقد عنوانًا في (معنى التسوية) وخلص إلى أن معنى التسوية إذا أُطلقت كان المراد بها تسوية الشيء في نفسه ولا تُحمل على التسوية بالأرض إلا بقرينة. وقد وُجِدت قرينة في الحديث تدل على التسوية بالأرض (ص ٤٣ ــ ٤٦).
- بعده ذكر بحثًا عَنونه بـ (تحقيق الحق في هذا البحث) أي في معنى التسوية، وأنها لا تعارض رفع القبر قليلًا من تراب حفرته، وكذلك إذا أريد تمييزه لمقصد شرعي صحيح بوضع علامة عليه ... (ص ٤٧ ــ ٤٩).
مقدمة 5 / 18
- بعده عنون بـ (القدر المشروع لرفع القبر) وذكر في ذلك حديث جابر: أن النبي ﷺ رُفع قبره نحوًا من شبر.
- ثم تكلم على (كيفية رفع القبر) وعن معنى قوله "مبطوحة" وما قيل فيها، والراحج من ذلك، ثم ذكر جملة من أدلة التسنيم (ص ٥١ ــ ٥٨).
- ثم تكلم على مسألة (البناء على القبر) وهو خاص ببحث مسألة البناء على القبور في المِلك، وذكر أن الناس فريقان: القائلون بالكراهة في المِلك والحرمة في المسبّلة. الفريق الثاني من غلاة الجهّال الذين يقولون بأنه مستحب أو واجب، وهم لفرط جهلهم يتهمون من ينكر عليهم بقولهم (وهابي)! ! وغير ذلك ... ويستدلون على هذا القول بأدلة والرد عليها.
- ثم ذكر أدلة النهي عن البناء ونحوه ووجه دلالتها على الحرمة (ص ٥٩ ــ ٦٥).
- ثم ذكر المؤلف حديث جابر في النهي عن البناء على القبور، وذكر رواياته وألفاظه، والكلام عليه وما يشهد له. وتضمَّن مباحث حديثية دقيقة.
- ثم عنون بـ (تحقيق حال أبي الزبير) (ص ٨١ ــ ٨٧).
- بعده عنون بـ (تحقيق حال سليمان بن موسى) (ص ٨٨ ــ ٩١).
- بعده تكلم على حديث أبي سعيد الخدري، وتكلم على حال القاسم بن مخيمرة (٩٢ ــ ٩٣).
ثم عقد بحثًا عنونه بـ (بحث شرط اللقاء) وعقد البحث على صورة مناظرة بين فريقين، جعل لمذهب مسلم رقم (١)، ومقابله رقم (٢) وجرى هذا إلى آخر البحث (ص ٩٤ ــ ١٠٨).
مقدمة 5 / 19
- ثم ذكر حديث أم سلمة في نهي النبي ﷺ أن يُبنى على القبر أو يجصص وتكلم على ثبوته (ص ١٠٩ ــ ١١١).
- ثم عقد ما يشبه الاستدراك أو الإضافة فقال: (تتمة لحديث جابر وأبي سعيد وناعم) (ص ١١٢ ــ ١١٣).
* خامسًا: بين المسوّدة والمبيّضة، ودواعي طبعهما:
نعقد هذا المبحث لنوازن بين هاتين النسختين من هذه الرسالة، من حيثُ التقسيمُ، والترتيبُ، والزيادات وما تميّزت به كلٌّ منهما، وبه يظهر لنا دواعي طبعهما معًا وعدم الاكتفاء بإحداهما عن الأخرى، فنقول:
١ - التقسيم: في المبيضة صرّح المؤلف بتقسيمها إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وقد وفى بترتيبه هذا في الجملة، غير أن الخاتمة لم يتمكن من كتابتها بعد أن كتب عنوانها فقط.
أما المسوّدة فلم يقسمها تقسيمًا واضح المعالم، وإنما يعنون عنوانات جانبية ويبحث تحتها المسائل، ويحيل إلى مباحث أنه سيأتي ذكرها ولم نجدها في هذه النسخة.
٢ - الترتيب: ظهر من عرض الرسالة في نسختيها أنّ هناك اختلافًا في ترتيبهما، إذ بعد اتفاقهما في التصدير تبدأ المبيّضة بمقدّمة طويلة عقدها المؤلف للتدليل على أن أمور الشرع توقيفية لا تؤخَذ إلا من الشارع، ثم تكلّم على الوسائل وخَلَص إلى أن شأن القبور شأن شرعيّ يجب أن ينظر فيه بنظر الشرع. بينما المسوَّدة تخلو من هذا البحث.
مقدمة 5 / 20
فبدأت المبيضة بالفصل الأول: فيما ثبت في كيفية القبر المشروعة. ثم عقد الفصل الثاني وهو تتمة لبيان الهيئة المشروعة فيما يتصل بالقبر وذكر فيه جملة من أحاديث الباب وشرحها. ثم عقد المؤلف عنوانًا سمّاه (آية الكهف: ٢١). ثم ختم بالفصل الثالث: شرح حديث عليّ المتقدم.
أما المسودة فبدأت بعنوان (عرض هذه القضية على كتاب الله) فذكر آية ٢١ من سورة الكهف، ثم ذكر في عنوان مستقلّ (تحليل الاستدلال) أي من الآية، وضمَّنه افتراضات عقلية لم ترد في النسخة المبيضة لأنه رأى أن الأمر أوضح من ذلك. بعده ذكر عنوان (تحديد محلّ النزاع)، ثم بدأ بالكلام على مسألة الرفع في غير الملك، ثم عقد فصلًا في (تسوية القبور)، وآخر في (القدر المشروع لرفع القبر)، ثم تكلم على (كيفية رفع القبر)، ثم تكلم على (البناء على القبر) وهو خاص ببحث مسألة البناء على القبور في المِلك، فذكر حديثي جابر وأبي سعيد في النهي عن البناء وتكلم عليهما. ثم عقد بحثًا عنونه بـ (بحث شرط اللقاء) وتوسع فيه على شكل مناظرة بين فريقين، أما المبيّضة فالبحث فيها ملخص وليس على صورة مناظرة. ثم ختم النسخة بحديث أم سلمة في نهي النبي ﷺ أن يُبنى على القبر أو يجصص، ثم الاستدراك والإضافة.
٣ - الزيادات والميزات: تميزت المبيضة بحسن الترتيب ووضوح فكرة المؤلف، واكتمال البحث في صورته الأخيرة، وتحديد موضع النزاع، واستيعاب الأحاديث والآثار في المسألة والكلام عليها سندًا ومتنًا. وفيها أيضًا الرد على الرافضي حسن الصدر الكاظمي في جملة من المسائل. وتمتاز المسودة بالإضافة والإفاضة في بحث آية ٢١ من سورة الكهف، وبحث شرط اللقاء، وذكر بعض المسائل المتعلقة بالقبور لم تذكر في المبيّضة.
مقدمة 5 / 21
فكانت تلك الأمور مجتمعة داعيةً إلى نشر النسختين لما في كل واحدة منهما من ميزة يحسن الوقوف عليها والإفادة منها. أما ترك المسوّدة دون طباعة فسيفقدنا تلك الفوائد، وأما التلفيق بين النسختين فغير مرضيّ لأنا سنُخرِج حينئذ كتابًا لم يكتبه المؤلف، وأما ذكر الزوائد في الحواشي فسيفقدها قيمتها، وربما تصدُّ القارئَ عن الوقوف عليها.
* سادسًا: وصف النسخ الخطية
١ - نسخة المبيضة: محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم [٤٦٦٨/ ٢] فليم رقم (٣٥٩٢) تقع في ١٢٠ ورقة بخط مؤلفها العلامة المعلمي، عدد الأسطر متفاوت في غالب الصفحات، كُتِبت في دفتر مسطّر معتاد بخطٍّ متفاوت في الثخانة والدّقة والوضوح، ويعود ذلك لاختلاف أقلام الكتابة، واختلاف أوقاتها.
والرسالة كغالب كتب الشيخ؛ كثيرة الضرب (فقد يضرب على صفحة أو أكثر) واللحق والإضافة والتحويل والبياضات (فقد يترك ورقة كاملة أملًا في إلحاق شيء). وكان من المفترض أن تكون هذه هي مبيّضة الكتاب الأخيرة؛ لأن الشيخ قد كتب عدّة نسخ من هذه الرسالة هذه آخرها فيما أرجح، لكنها عادت مسوّدة كما بدأتْ. وقد أطلقنا عليها (المبيّضة) باعتبارها آخر ما كتب الشيخ من نُسَخ هذه الرسالة، لا باعتبار حقيقة الحال.
تبدأ النسخة بعدة صفحات تبلغ التسع فيها مقيّدات لفوائد متنوعة انتقاها الشيخ من كتاب "الاعتصام" للشاطبي (دون أن يصرح باسمه) (^١) أشبه
_________
(^١) وفي مجموع رقم ٤٧١٧ انتقى أيضًا فوائد من "الاعتصام" مع التصريح باسمه (ص ١٢١ - ١٣٧).
مقدمة 5 / 22