مكتبة نظام يعقوبي الخاصة - البحرين
سلسلة دفائن الخزائن (٢)
كتاب الأربعين
في إرشاد السائرين إلى منازل المتقين
لأبي الفتوح مجد الدين محمد بن محمد بن علي الطائي الهمذاني
(٤٧٥- ٥٥٥هـ)
تحقيق
الدكتور عبد الستار أبوغدة
دار البشائر الإسلامية
الطبعة الأولى
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
অজানা পৃষ্ঠা
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على سوابغ آلائه، وصلى الله على محمد خاتم أنبيائه، وعلى آله وأصفيائه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فقد روي عَنِ النَّبِيّ ﷺ بطرق شتى وروايات مختلفة أنه قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من السنة كنت له شفيعًا يوم القيامة وفي رواية أخرى أربعين حديثًا مما يحتاجون إليه كتبه الله فقيهًا عالمًا.
ولمَّا كان الحال على ما وصفت رجوت الله تعالى أن يجعلني من
1 / 29
جملتهم، ويحشرني في زمرتهم، فأمليت من مسموعاتي أربعين حديثًا، عن أربعين شيخًا.
كل حديث عن واحد من الصحابة ﵃ أجمعين، أشير إلى اسمه وكنيته ونسبه ومدة حياته وأيام وفاته وبعض فضائله.
وذكرت عقيب كل حديث بعض ما اشتمل عليه من الفوائد، فقد قالت عائشة ﵂: اطلبوا كنوز العلم تحت كلمة رَسُول اللَّهِ ﷺ.
وشرحت ما كان مشكلًا فيه من العربية.
وأتبعته بحكاية تليق بذلك، وأبيات يستحسن إنشاؤها هنالك، لتكون تذكرة للأصحاب، وتبصرة لذوي الألباب، وسميته:
كتاب الأربعين
في إرشاد السائرين إلى منازل المتقين
وأردت أن أفتتح الكتاب بحديث (الأعمال بالنيات) اقتداء بعلماء الأمة وأعيان الأئمة ولكن منعني من ذلك رعاية الترتيب في تقديم رواية أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁، اتباعًا للكتاب والسنة.
والله تعالى المعين على ما نبغيه، والموفق لما يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 30
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَدِيثُ الأَوَّلُ [دُعَاءُ آخِرِ الصَّلاةِ]
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإْمَامُ الرَّئِيسُ زَيْنُ الدِّينِ شَيْخُ الإْسِلامِ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ حَسَّانِ بْنَ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ
1 / 31
أَبُو مَسْعَودٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ الرَّازِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُشَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵁،
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي، قَالَ ﵇: " قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفُرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، عَالٍ، مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.
1 / 32
أورده مسلم فِي كتابه بالطريق الَّذِي بيناه، وبطريق آخر وزاد فِيهِ: قَالَ: " وفي بيتي " يعني: فِي صلاتي وفي بيتي وذكر فِي رواية قُتَيْبَة: كبيرا بدل كثيرا.
وأورده الْبُخَارِيّ فِي كتاب الصلاة عَنْ قُتَيْبَة، عَنِ اللَّيْث وفي كتاب الدعوات عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْث.
رواه عَنِ النَّبِيّ ﷺ أفضل الصحابة وأولاها بالخلافة وأحقها بالتقدمة، مختار الجبار، ومعدن الوقار، صاحب المصطفى ﵇ فِي الغار، وسيد المهاجرين والأنصار، الصِّدِّيق أَبُو بَكْر عَبْد اللَّهِ وقيل:
1 / 33
عتيق بْن أَبِي قحافة عُثْمَان بْن عامر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة.
وأمه: سلمي وهي أم الْخَيْر بنت صخر بْن عامر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة، ابنة عم أَبِيهِ.
ولد ﵁ بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إِلا أياما.
وَهُوَ أول من أسلم من الرجال، سبق إِلَى سبق إِلَى قبول الحق من غير تلعثم ولا شماس، فبذل نفسه وأنفق ماله وترك عزه ورئاسته، وَكَانَ قبل الإْسِلام ذا جاه عريض ومال كثير، مقدما فِي علم الأنساب، بصيرا بعلم الرؤيا، مقبول القول، فآثر عَلَى هَذِهِ المآثر، وتخلى عما سواه من المفاخر [واسلم أبواه بعده] .
قَالَ ﵇: " مَا نفعني مال أحد مثل مال أَبِي بَكْر " أجلسه
1 / 34
رَسُول اللَّهِ ﷺ معه فِي العريش يوم بدر، وَقَالَ فِي حقه: " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل اللَّه ﷿ شبهه بميكائيل رأفة ورحمة، وبإبراهيم خليل الرحمن عفوا ووقارا، وأمره أن يصلي بالناس أيام مرضه وبذلك حاج عمر ﵁ الأنصار يوم السقيفة فَقَالَ: رضيه رَسُول اللَّهِ ﷺ لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا؟ وأيكم تطيب نفسه أن يزيله عَنْ مقام أقامه فِيهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ؟ فانقادوا لَهُ وبايعوه.
استخلف فِي شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وتوفي بعد النَّبِيّ ﷺ بسنتين وأشهر بالمدينة، وَهُوَ ابن ثلاث وستين صلى عَلَيْهِ عُمَر بْن الْخَطَّابِ ﵁، ودفن مَعَ النَّبِيّ ﷺ، وكانت مدة خلافته سنتين وأربعة أشهر.
سمي عتيقا لجمال وجهه، وقيل: لأن النَّبِيّ ﷺ قَالَ: " أنت عتيق اللَّه من النار "
وفي الْحَدِيث دلالة عَلَى فضل الدعاء، وحث عَلَى الاشتغال بِهِ والإكثار منه، مَعَ الابتهال بالغدو والآصال، لا سيما فِي الصلوات، وعند
1 / 35
ظهور الآيات قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾، قَالَ النَّبِيّ ﷺ: " الدعاء هُوَ العبادة "، وفي رواية: " ليس شيء أكرم عَلَى اللَّه من الدعاء "
ولا أجل من الدعاء لأن الدعاء يشتمل عَلَى ذكر المعبود والثناء عَلَيْهِ واعتراف العبد بالذنب عند الالتجاء إِلَيْهِ تَعَالَى وفي ذَلِكَ تحصيل المقصود وطلب الموعود، حيث قَالَ جل وعز: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وَقَالَ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ ففي الذكر طمأنينة القلب، وفي الدعاء الإنابة إِلَى الرب وروي أن النَّبِيّ ﷺ قَالَ: " إن اللَّه تَعَالَى يستحي أن يرفع العبد إِلَيْهِ يديه فيردهما خائبتين "، وفي رواية: " صفراوين "
ومن شرط الدعاء: حضور القلب، ورفع اليدين، وجعل بطون الأكف مما يلي السماء، فإن ذَلِكَ مأثور مشهور، وفي الأحاديث مذكور
وينبغي أن يدعو بصلاح الدين والدنيا، ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم.
1 / 36
وروى فِي الأخبار أن اللَّه تَعَالَى يَقُول: " عبدي منك الإملاء ومني الكتابة، ومنك الصبر ومني المثوبة، ومنك الدعاء ومني الإجابة "
وَكَانَ يَحْيَى بْن معاذ الرَّازِيّ رحمة اللَّه عَلَيْهِ يَقُول فِي مناجاته: يَا من ألزمنا طاعة لا حاجة بِهِ إليها، لا تحرمنا مغفرة لا غني بنا عَنْهَا
وقيل: مَا فتح اللَّه ﷿ لسان عبده بالمعذرة إِلا لفتح باب المغفرة، عَلَى مَا قَالَ القائل:
لو لم ترد نيل مَا أرجو وأطلبه ... من جود كفك مَا علمتني الطلبا
أخبرنا أبوبكر عبد الله بن الحسين أحمد النسوي، أخبرنا أبومنصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز بن يزيد بن الصباح شيخ الصوفية، أخبرنا أبوعلي الحسين بن محمد البروجردي الغزال، حدثنا أبوعلي الحسن بن محمد بن علي، حدثنا محمد بن أيوب بن يحيى، حدثنا القعنبي، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي قال:
سمعت مُحَمَّد بْن كعب القرظي يَقُول: من الكبائر ثلاث: أن تأمن مكر اللَّه، وأن تيأس من روح اللَّه ﷿، وأن تقنط من رحمة اللَّه تَعَالَى
1 / 37
أنشدنا شرف الأئمة أَبُو حفص بْن مُحَمَّد الشيزري، قَالَ: أنشدنا الْقَاضِي أَبُو علي الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْوَخْشِيّ، قَالَ:
أنشدنا الفضل بْن أَحْمَدَ الخصيبي، لبعضهم:
أتلعب بالدعاء وتزدريه ... وما يدريك مَا فعل الدعاء؟!
سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد، وللأمد انقضاء
1 / 38
الْحَدِيث الثاني [إنما الأعمال بالنيات]
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإْمَامُ نَاصِرُ الْحَدِيثِ رُكْنُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ نَوَّرَ اللَّهُ حُفْرَتَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بُوَيْهٌ الزَّرَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ وَأَبُوأحمد مُحَمَّدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ (النَّسَوِيُّ)، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ
1 / 39
مُوسَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَسْمَاءَ بن أَخِي جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ:
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ "
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ كَبِيرٌ، عَالٍ، مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَعِظَمِ مَوْقِعِهِ، مُسْتَفِيضٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، رَوَاهُ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ نَفْسٍ عَامَّتُهُمْ أَئِمَّةٌ مُعَرَّفُونَ
روي عَنْ الشَّافِعِيّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: يدخل فِي هَذَا الْحَدِيث ثلث العلم
وَقَالَ أَبُو داود السِّجِسْتَانِيّ ﵀: الفقه يدور عَلَى أربعة
1 / 40
أحاديث: " الحلال بين والحرام بين " و" الأعمال بالنيات " و" مَا نهيتكم عَنْهُ فاجتنبوه وما أمرتكم بِهِ فأتوا منه مَا استطعتم "، " ولا ضرر ولا ضرار "
رواه عَنِ النَّبِيّ ﷺ التالي لأبي بكر ﵁ فِي الخلافة، وتلوه فِي الفضل، والمصلي لَهُ فِي القدر والمنزلة، أمير المؤمنين، أَبُو حفص عُمَر بْن الْخَطَّابِ بْن نفيل بْن عَبْد العزى بْن رباح بْن عَبْد اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بْن لؤي بْن غالب العدوي وَهُوَ الفاروق الَّذِي: يفرق بين الحق والباطل
وأمه: حنتمة بنت هشام بْن المغيرة المخزومية، وَأَبُو جهل بْن
1 / 41
هشام خاله. قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ ﵁: اسرع إلي الشيب من قبل أخوالي بني المغيرة.
بشرة رَسُول اللَّهِ ﷺ بالجنة، وشهد أن اللَّه تَعَالَى جعل الحق عَلَى لسانه وقلبه، وأن رضاه عز، وغضبه عدل، وأن الشيطان يفر منه، وأن اللَّه ﷿ أعز الدين بِهِ، واستبشر أهل السماء بإسلامه، وسماه عبقريا ومحدثا وسراج أهل الجنة ودعاه صاحب رحى دارة العرب يعيش حميدا، ويموت شهيدا، وأنه رجل لا يحب الباطل ولو كَانَ بعده نبي لكان عمر.
استخلف سنة ثلاث عشرة، فِي جمادى الآخرة لثمان بقين منه، وطعنه أَبُو لؤلؤة غلام المغيرة بْن شعبة يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ومات يوم السبت غرة محرم سنة أربع وعشرين صلى عَلَيْهِ صهيب، ودفن مَعَ صاحبيه فِي حجرة عائشة ﵂ بأمرها وكانت خلافته عشر سنين وسبعة أشهر وخمس ليال، وقيل غير ذَلِكَ.
1 / 42
قَالَ علي ﵁: واعمراه قّوم الأود، وأبرأ العمد، ومات نقي الثوب، قليل العيب.
وَكَانَ ابن مسعود ﵁ يَقُول: إن عمر كَانَ حصنا حصينا للإسلام، وما زلنا أعزة منذ أسلم.
وَهُوَ أول من سمي أمير المؤمنين.
واختلف فِي سنه فقيل: ثلاث وستون سنة، وقيل: ست وستون، وَقَالَ بعضهم: خمس وخمسون سنة، وقيل: غير ذَلِكَ.
وفي الْحَدِيث: دلالة عَلَى أن صحة جميع الأعمال الشرعية، قولها وفعلها، وفرضها ونفلها، بالنية، لأن كلمة إنما ملفقة من نفي وإثبات، فإن للإثبات، وما للنفي، فهي تعمل بركنيها إثباتا ونفيا، تثبت الشيء وتنفي مَا عداه، ولهذا قيل: " الأعمال البهيمية مَا عملت بغير نية "
وقوله: " فمن كانت هجرته إِلَى اللَّه ورسوله فهجرته إِلَى اللَّه
1 / 43
ورسوله " يريد بِذَلِكَ أن من قصد بالهجرة رضا اللَّه تَعَالَى ولم يخلطها بشيء من الدنيا فهجرته مقبولة عند اللَّه ﷿، وأجره واقع عَلَى اللَّه تَعَالَى.
" ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أَوِ امرأة يتزوجها " يريد أن حظه من هجرته مَا قصد ونواه، وليس لَهُ عند اللَّه تَعَالَى أجرة، ولا من الثواب حظ.
ويقال: إن هَذَا إنما جاء فِي رجل لأجل امرأة أبت أن تتزوجه حَتَّى يهاجر إليها فهاجر وتزوجها، فكنا نسميه (مهاجر أم قيس) .
وقد قَالَ ﵇: " نية المؤمن خير من عمله " قيل: أراد بِهِ من عمل الكافر "، وقيل: لأن العمل يدخله الرياء، والنية لا يدخلها الرياء، ولأن النية تصلح العمل فكانت خيرا من العمل.
(والنية) فِي اللغة عبارة عَنِ القصد، ويقال: نويت الشيء، إذا قصدته وعزمت عَلَيْهِ بقلبك، وَقَالَ بعضهم: أصل النية الطلب، يقال: لفلان عندي نية ونواة، أي طلبة وحاجة ويجوز فِيهِ التخفيف والتشديد.
وأما (الدنيا) فهي اسم لهذه الدار الأولى، وهي (فعلى) من دنا يدنو، وسميت بِهِ لدنوها، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا﴾، ويجوز أن تكون دنيا (فعلى) من الدني، وَهُوَ الخسيس.
أَخْبَرَنَا تاج الإْسِلام أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُور بْن عَبْد الجبار السَّمْعَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُور أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن علي العمروي، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حمدان النصروي، حَدَّثَنَا بشر بْن أَحْمَدَ المهرجاني، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الحذاء،
1 / 44
أَخْبَرَنَا بعض أصحابنا عَنْ عَبْد الأعلى بْن حماد النرسي، قَالَ: دخلت عَلَى المتوكل فَقَالَ: يَا أبا يَحْيَى، قد هممنا أن نصلك بخير فتدافعت الأمور، فقلت: يَا أمير المؤمنين، سمعت مسلم بْن خالد المكي يَقُول: سمعت جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصادق، يَقُول: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة ثُمَّ قلت: أفلا أنشدك بيتين قالهما بعض الشعراء؟ قَالَ: مَا هما؟ فأنشدته:
لأشكرنك معروفا هممت بِهِ ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
قَالَ: فاستحسنهما فكتبهما بيده من إعجابه بهما، وأمر لِي بجائزة.
1 / 45
الْحَدِيث الثالث [صفة الوضوء]
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإْمَامُ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الْمَرْوَزِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الْخَيْرِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الأَدِيبُ أَبُو الْهَيْثَمِ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ -، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ -، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ -، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ،
قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ﵁ تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيمنى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
1 / 46
تَوَضَّأَ نَحْوَ وَضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: " مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وَضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، عَالٍ، مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ عَنْهُ الأَعْلامُ مِنْ أَصْحَابِهِ مِثْلُ: صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَمَعْمَرٍ، وَيُونُسُ، وَمَالِكٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُمْ
رواه عَنِ النَّبِيّ ﷺ الثالث فِي الترتيب، أمير المؤمنين: أَبُو عَمْرو ويقال: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَان بْن عفان بْن أَبِي العاص بْن أمية بْن عبد شمس بْن عبد مناف بْن قصي الأموي القرشي ﵁، يلتقي نسبه ونسب رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي عبد مناف.
قدمه أهل الشورى، واجتمع عَلَيْهِ الملأ من المهاجرين والأنصار.
وأمه: أروى بنت كريز بْن ربيعة، وكانت قد أسلمت، وأم أروى:
1 / 47