155

الاربعون حديثا :159

وانت يا من تدعي الزهد والاخلاص ، اذا كنت مخلصا حقا ، وانك لاجل الله ولاجل دار كرامته تزهد عن مشتهيات الدنيا ، فما الذي يحملك على ان تفرح بمدح الناس لك والثناء عليك بقولهم انك من اهل الصلاح والسداد ؟ فيملأ السرور قلبك ، ولماذا لا تبخل بشيء في سبيل مجالسة اهل الدنيا وفي سبيل زخارفها ، وتفر من الفقراء والمساكين ؟

فاعلم ان زهدك وإخلاصك ليسا حقيقيين ، بل ان زهدك في الدنيا هو من اجل الدنيا ، وان قلبك ليس خالصا لوجه الله ، وانك كاذب في دعواك ، وانك من المتلونين المنافقين .

وانت يا من تدعي الولاية من جانب ولي الله ، ولاخلافة من جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فان كان واقعك مطابقا للحديث المروي في كتاب «الاحتجاج» : «صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه» (1) . واذا كنت ورقة على غصن الولاية والرسالة ، ولا تميل الى الدنيا ، ولا تحب التقرب الى السلاطين والاشراف ، ولا تنفر من مجالسة الفقراء ، فان اسمك يطابق مسماه ، وانك من الحجج الالهية بين الناس ، والا فانك من علماء السوء ، وفي زمرة المنافقين ، وحالك أسوأ من الطوائف التي ذكرناها ، وعملك اقبح ، ويومك اشد سوادا ، لان الحجة على العلماء اتم .

وانت يا من تدعي امتلاك الحكمة الالهية ، والعلم بحقائق المبدأ والمعاد ، اذا كنت عالما بالحقائق في الاسباب والمسببات ، واذا كنت حقا عالما بالصور البرزخية واحوال الجنة والنار ، فلا بد ان لا يقر لك قرار ، وعليك ان تصرف كل وقتك في اعمار عالم البقاء ، وان تهرب من هذه الدنيا ومغرياتها ، فانت عالم بما هنالك من مصائب وظلام وعذاب لا يطاق . اذا ، لماذا لا تتقدم ولو خطوة واحدة خارج حجب الكلمات والالفاظ والمفاهيم ، ولم تؤثر في قلبك البراهين الفلسفية قدر جناح ذبابة ؟ اذا ، انت خارج عن زمرة المؤمنين والحكماء ، ومحشور في زمرة المنافقين ، وويل للذي يقضي عمره وسعيه في علوم ما وراء الطبيعة ، دون ان يسمح له انتشاؤه بخمر الطبيعة ولو بدخول حقيقة واحدة الى قلبه .

وانت يا من تدعي المعرفة والإنجذاب والسلوك والمحبة والفناء ، اذا كنت حقا من اهل الله ومن اصحاب القلوب ، ومن ذوي السابقة الحسنة ، فهنيئا لك . ولكن كل هذه الشطحات وهذا التلون وتلك الادعاءات اللامسؤولة التي تكشف عن حب الذات ووسوسة الشيطان ، تتعارض مع المحبة والانجذاب «ان اوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري» (2) . فانت اذا كنت من اولياء الله والمنجذبين اليه ومحبيه ، فان الله يعلم بذلك ، فلا تظهر للناس مدى مقامك ومنزلتك الاربعون حديثا :160

পৃষ্ঠা ১৫৯