بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الحي القيوم، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
و﴿الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل﴾ .
والحمد لله العلي الكبير، الذي ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾، الذي باين صفاته العلي صفات المخلوقين وإن اتفقت أسماؤهما.
والحمد لله الذي لم يزل متصفا بصفاته العلي، متسميا بأسمائه الحسنى، فـ ﴿سبحان ربك رب العزة عما يصفون﴾، وسبحانه وتعال عما يقولون المشبهون والجاحدون، ﴿ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد: -
1 / 29
فإني أكتب إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب أربعين حديثا في صفات الله ﷿ وأورد فيها بعض ما نقل عن السلف من القول فيها، والله الموفق لما يحبه ويرضاه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله
1 / 30
الحديث الأول في قوله تعالى: ﴿قل هو الله أحد﴾
١ - أخبرنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد الدمشقي، عن أبي المظفر السمعاني، ثنا عبد الله الفروي، أنا عثمان بن محمد أبو عمرو المحمي، أنا أبو نعيم الأزهري، أنا أبو عوانة
1 / 31
الحافظ، أنا أبو عبد الله ابن أخي ابن وهب، أنا عمي عبد الله بن وهب، نا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، أن أبا الرجال حدثه، عن أمه عمرة، عن عائشة أن النبي ﷺ بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ ﴿قل هو الله أحد﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ، فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟»، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن ﷿،
1 / 32
فأنا أحب أن أقرأ بها.
فقال النبي ﷺ: «فأخبروه أن الله يحبه» .
أخرجاه من حديث ابن وهب.
وإثبات هذه الصفة لم يخالف فيها أحد من أهل القبلة.
1 / 33
الحديث الثاني في قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾
٢ - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسين القوي بمصر، أنا محمد بن عماد، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا أحمد بن محمد بن الحاج، أنا أحمد بن محمد الصابوني إملاء، ثنا الربيع بن
1 / 34
سليمان، نا الشافعي، أنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني معاوية بن إسحاق بن طلحة، عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه، سمع أنس بن مالك يقول: " أتى جبريل بمرآة بيضاء، فقال: ما هذه؟ قال: الجمعة، وهو اليوم الذي استوى فيه ربك على العرش «.
هذا حديث غريب، رواه الشافعي في»
1 / 35
مسنده "
٣ - قال إسحاق بن راهويه: سمعت بشر بن عمر يقول: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ أي: ارتفع.
وقاله أبو العالية.
٤ - وقال البخاري في «صحيحه»: قال مجاهد في (استوى): علا على العرش.
1 / 36
٥ - وروى الدارقطني عن إسحاق الكاذي: سمعت أبا العباس ثعلب يقول في (استوى): علا على العرش.
٦ - وقال محمد بن جرير الطبري في «التفسير»: ﴿ثم استوى على العرش﴾ أي: علا وارتفع.
1 / 37
٧ - وقال الإمام أبو سليمان داود بن علي الأصبهاني: كنا عند ابن الأعرابي، فأتاه رجل فقال: ما معنى قوله: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾؟ قال: هو على عرشه كما أخبر.
فقال: يا أبا عبد الله! إنما معناه: استولى.
فقال: اسكت! لا يقال: استولى على الشيء، أو يكون له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل: استولى.
٨ - وقال ابن وهب: كنا عند مالك فدخل رجل فقال: ﴿الرحمن على العرش﴾ كيف استوى؟ .
فأطرق مالك،
1 / 38
وعلاه الرحضاء، ثم رفع رأسه وقال: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ كما وصف نفسه، فلا يقال: (كيف)، و(كيف) عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة، أخرجوه.
٩ - وقال مثله ربيعة الرأي شيخ مالك ويروى عن أم سلمة ووهب بن منبه.
1 / 39
١٠ - وقال علي بن الحسن بن شقيق: قلت لابن المبارك: كيف نعرف ربنا؟ قال: على السماء السابعة عرشه، فلا يقال كما تقول الجهمية: إنه هنا في الأرض.
1 / 40
فقيل هذا لأحمد بن حنبل، فقال: هكذا هو عندنا.
١١ - وقال عبد الرحمن مهدي: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن الله كلم موسى، وأن يكون على العرش استوى، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم.
١٢ - قال الأصمعي: قدمت امرأة جهم، فقال رجل عندها: الله على عرشه.
فقالت: محدود على محدود.
فقال الأصمعي: هي كافرة بهذه المقالة.
1 / 41
١٣ - وقال الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.
١٤ - وقال سعيد بن عامر الضبعي إمام أهل البصرة: اجتمع أهل الأديان مع المسلمين أن الله على العرش، وقالت الجهمية: ليس هو على شيء.
١٥ - وقال الشافعي في عقيدته وفي وصيته: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أهل الحديث عليها: أن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء.
1 / 42
١٦ - وذكر بشر الحافي في عقيدته الإيمان بأن الله على عرشه استوى كما شاء، وأنه عالم بكل ما كان.
١٧ - وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله فوق عرشه فوق سماواته.
١٨ - قلت: وكونه تعالى فوق العرش، رواه عن النبي ﷺ جبير بن مطعم، والعباس بن عبد المطلب،
1 / 43
وأبو هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وابن عباس، وقتادة بن النعمان، وعبادة بن الصامت،
1 / 44
وابن مسعود، وجابر بن سليم، وهو مروي عن غير واحد من الصحابة والتابعين.
وفي الكتب المنزلة: مثل ما صح عن كعب الأحبار قال: في التوراة: (أنا الله فوق عبادي على عرشي، أدبر أمور عبادي) .
1 / 45
الثالث في قوله: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾
١٩ - أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عبد المعز بن محمد الهروي، أنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني، أنا محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، أنا أبو يعلى الموصلي، ثنا
1 / 46
داود بن عمرو، نا بن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر.
ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون ".
متفق على صحته.
٢٠ - وقال تعالى: ﴿تعرج الملائكة والروح إليه﴾ والعروج
1 / 47
والصعود بمعنى واحد، ومنه معراج النبي ﷺ إلى ربه، وعروج ملك الموت إلى ربه لما فقأ موسى ﵇ عينه وعروج الروح إلى السماء التي فيها الله تعالى
٢١ - وإخباره ﵇ أنه لا يصعد إلى الله إلا طيب،
٢٢ - وإخباره عن ربه أنه يقول: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، لا يصعد إلي من الرياء شيء» .
وكلها أخبار صحاح.
٢٣ - ومن ذلك ما يروى عن مالك بن دينار قال: قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الله يقول: (يا ابن آدم! خيري ينزل
1 / 48