আরাম দিমাশ্ক ও ইসরাইল
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
জনগুলি
في عهد أسرحادون (680-669ق.م.) شملت أراضي الإمبراطورية الآشورية مصر بكاملها، وأجزاء لا بأس بها من شمال أفريقيا. كما بسطت آشور سلطتها على جزر المتوسط وشواطئ اليونان وآسيا الصغرى، وصارت نحو أواسط القرن السابع قبل الميلاد أعظم وأوسع إمبراطورية عرفها التاريخ حتى ذلك الوقت. ولكن أسرحادون - الذي لم تقف طموحاته عند حد ولم تعرف المعقول - قد دق المسمار الأول في نعش آشور التي بدأت تنحدر نحو الهاوية، وأمضت ما تبقى لها من عمر قصير بعد وفاته، في محاولات يائسة للسيطرة على تلك الرقعة الواسعة من الأراضي التي كانت تفوق قدرتها العسكرية والإدارية في ذلك الوقت. وقد بلغ جنون العظمة بأسرحادون حدا جعله يتسلى بإهانة وتعذيب ملوك الدول التابعة، فكان يأتي بهم من بلادهم كمشرفين على أحمال مواد البناء التي ينقلونها إلى آشور لبناء قصوره الجديدة بنينوى. وقد جاء اعتقال منسي ملك يهوذا في سياق هذا التصرف المجنون لملك مهووس فقد كل منطق وصواب في تفكيره وسلوكه.
ورغم أن النص التوراتي (الذي لا يرى من أحداث العالم المحيط به إلا ما يتعلق بيهوذا ومحيطها الضيق، وعلاقات الرضا والغضب بينها وبين إلهها الذي لم يكن مهتما أيضا إلا بهذه الفئة القليلة التي رفضته عبر تاريخها) لم يذكر شيئا عن ملابسات سوق منسي أسيرا إلى آشور، وجعل وجهته بابل لأمر لا نعرفه؛ فإن نصا لأسرحادون يعطينا صورة عن الحدث، ونعرف أن منسي قد سيق مع اثني عشر ملكا من بلاد الشام، وعشرة ملوك من جزر وشواطئ المتوسط، إرضاء لنزوة الملك الآشوري، الذي أراد أن يرى بعينيه ملوك الأرض يخدمونه في عاصمته نينوى. يقول أسرحادون: «دعوت ملوك بلاد حاتي على الجهة الأخرى للنهر؛ بعلو ملك صور، ومنسي ملك يهوذا، وقوش جبري ملك آدوم، وموسوري ملك موآب، وسلبيل ملك غزة، وميتيني بعل ملك أرواد، وآبي بعل ملك شمسي مورونا، وبودويل ملك عمون، وأهي مكي ملك أشدود ... (يلي ذلك تعداد لبقية ملوك الجزر والشواطئ المتوسطية، وبينهم ملك قرطاجة وملوك من كريت وقبرص) كل هؤلاء أرسلتهم إلى نينوى مقر ملكي، وجعلتهم ينقلون إليها - تحت أقسى الظروف - مواد بناء لقصري؛ جذوعا ودعائم وألواحا من خشب الأرز والصنوبر ... إلخ.»
5
خلال ما تبقى من فترة حكم أسرحادون، وكامل فترة خليفته آشور بانيبال؛ لا يرد ذكر ليهوذا في السجلات الآشورية، ولكننا نعرف من الأخبار التوراتية تتابع ملكين على عرش يهوذا خلال هذه الفترة، هما آمون (641-639ق.م.) ويوشيا (639-609ق.م.)، وقد حكم يوشيا فترة طويلة تقدر بثلاثين سنة، شهد خلالها انهيار الإمبراطورية الآشورية وصعود الإمبراطورية الكلدانية (البابلية الجديدة). ولدينا في أخبار الملك يوشيا بسفر الملوك الثاني رواية تستحق التوقف عندها قليلا؛ لأنها تظهر أن مملكة يهوذا حتى هذه العقود القليلة التي سبقت دمارها لم تكن على الدين التوراتي، ولم يكن أهلوها وحكامها وكهنتها يعرفون شيئا عن ذلك الدين وطقوسه. فهيكل الرب كان ممتلئا بتماثيل بعل وعشتاروت وغيرهما من آلهة كنعان، وبيوت البغاء المقدس تحيط بهذا الهيكل من كل جهاته، وكهنة يهوذا جميعا يؤدون الطقوس الكنعانية على المرتفعات، التي كان سليمان قد بناها لعشتروت ولكموش ولملكوم وغيرهم من الآلهة. وقد اهتدى الملك يوشيا إلى الدين الحق هو وأهل مملكته (وفق الخبر التوراتي) بعد أن تم مصادفة اكتشاف مخطوط في بيت الرب أثناء عملية ترميمه، يحتوي على سفر الشريعة. فجاء شافان كاتب الملك إلى حلقيا الكاهن وقال إنه وجد سفر الشريعة في بيت الرب، ودفع بالمخطوط إليه ليأخذه إلى الملك. فطلب الملك منه أن يقرأه أمامه ففعل، فخاف الملك خوفا عظيما لأنه عرف أن غضب الرب قد اشتعل على يهوذا لأن آباءهم لم يسمعوا لكلام هذا السفر، ولم يعملوا وفق ما هو مكتوب عليهم. ولنتابع ما جرى بعد ذلك، في سفر الملوك الثاني، الإصحاح 23: «وأرسل الملك فجمعوا إليه كل شيوخ يهوذا وأورشليم، وصعد الملك إلى بيت الرب وجميع رجال يهوذا وكل سكان أورشليم معه، والكهنة والأنبياء وكل الشعب من الصغير إلى الكبير، وقرأ في آذانهم كل كلام الشريعة الذي وجد في بيت الرب، ووقف الملك على المنبر وقطع عهدا أمام الرب للذهاب وراء الرب وحفظ وصاياه وشهاداته وفرائضه بكل القلب وكل النفس، لإقامة كلام هذا العهد المكتوب في هذا السفر. ووقف جميع الشعب عند العهد. وأمر الملك حلقيا الكاهن العظيم وكهنة الفرقة الثانية وحراس الباب أن يخرجوا من هيكل الرب جميع الآنية المصنوعة للبعل وللسارية ولكل أجناد السماء، وأحرقها خارج أورشليم. ولاشى كهنة الأصنام الذين جعلهم ملوك يهوذا ليوقدوا على المرتفعات في مدن يهوذا وما يحيط بأورشليم، والذين يوقدون للبعل، للشمس والقمر والمنازل ولكل أجناد السماء ... وهدم بيوت المأبونين التي عند بيت الرب حيث كانت النساء ينسجن بيوتا للسارية ... والمذابح التي على سطح علية آحاز التي عملها ملوك يهوذا، والمذابح التي عملها منسي في داري بيت الرب هدمها الملك، والمرتفعات التي قبالة أورشليم التي بناها سليمان ملك إسرائيل لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة الموآبيين، ولملكوم كراهة بني عمون، نجسها الملك ... ليقيم كلام الشريعة المكتوب في السفر الذي وجده حلقيا الكاهن في بيت الرب ... ولكن الرب لم يرجع عن حمق غضبه العظيم؛ لأن غضبه حمي على يهوذا من أجل جميع الإغاظات التي أغاظه إياها منسي. فقال الرب: إني أنزع يهوذا أيضا من أمامي كما نزعت إسرائيل» (الملوك الثاني، 23: 1-27).
في عهد آشور بانيبال - الذي ورث عن أسرحادون عالما يموج بالفتن والاضطرابات - ظهر للعيان تفسخ الإمبراطورية الآشورية، بعد أن كانت عوامل هذا التفسخ تعمل في الخفاء خلال أكثر من قرن. ذلك أن المظهر البراق للقوة العسكرية التي لا تهزم يخفي وراءه عملية انتحار بطيء تقدم عليه المجتمعات العسكرية وهي منساقة وراء نشوة انتصاراتها المتواصلة. ولم يكن إجهاز الكلدانيين على آشور سوى ضربة أخيرة توجه إلى جثة داخل درع سميك. فبعد وفاة آشور بانيبال قام نابو بولاصر الكلداني - الذي كان قد أعلن نفسه ملكا في بابل - بالتعاون مع المملكة الميدية الفتية في إيران، وأوقعوا آشور بين فكي كماشة، فدمروا مدينة آشور عام 614ق.م.، ثم نينوى عام 612ق.م.، فتراجع الجيش الآشوري عن كامل مناطق آشور، وأقام لنفسه مقر قيادة مؤقتة في حران، قبل أن يتشتت نهائيا ويختفي ذكر آشور من التاريخ.
في ذلك الوقت صعد الفرعون نخو الثاني من مصر نحو الفرات لمساعدة آخر ملوك آشور المدعو آشور أباليط، الذي كان يحاول من مقره الجديد في حران وقف المذبحة الشاملة للشعب الآشوري. وكانت مصر قد حصلت على استقلالها عن آشور في آخر عهد آشور بانيبال، وبموافقته الضمنية على ما يبدو، فقد أقنعت التجربة الآشوريين أن احتلال مصر باستمرار كان مسألة عسكرية صعبة. ويبدو أن ملك مصر قد خشي من أن يعمل نابو بولاصر، الملك الجديد لبابل، على ضم مصر باعتبارها من أملاك آشور السابقة، ففضل المد في حياة آشور في وضعها المستضعف الجديد على القبول بإمبراطورية فتية جديدة. ولا بد أن ملك مصر قد وضع نصب عينيه أن يلعب دور آشور في مناطق سوريا الجنوبية، وبموافقة الملك الآشوري الذي سيكون أضعف من أن يحافظ على سلطته في هذه المناطق. ولكننا نعرف من الحوليات الكلدانية
6
أن نبوخذ نصر - الذي كان وليا للعهد في ذلك الوقت - قد تصدى للمصريين وهزمهم في معركتين؛ واحدة عند كركميش، والثانية قرب حماة.
لم يتعرض النص التوراتي من قريب أو بعيد لهذه الأحداث الجسام التي قادت إلى زوال آشور وصعود الإمبراطورية الكلدانية، ولكنه يذكر خبرا عن حملة نخو الثاني على الفرات وهزيمته في كركميش، وذلك بمناسبة مرور نخو بأرض فلسطين في طريقه إلى الفرات، وتصدي يوشيا ملك يهوذا له لمنعه من متابعة الحملة. وهذا الخبر مذكور في الملوك الثاني 24، وفي أخبار الأيام الثاني 35 أيضا، حيث نقرأ: «بعد كل هذا ... صعد نخو ملك مصر إلى كركميش ليحارب عند الفرات، فخرج يوشيا للقائه. فأرسل إليه رسلا يقول: ما لي ولك يا ملك يهوذا. لست عليك اليوم، بل على بيت حربي (أي: المكان الذي سأحارب فيه)، والله أمر بإسراعي. فكف عن الله الذي معي فلا يهلكك. ولم يحول يوشيا وجهه عنه بل تنكر لمقاتلته ... بل جاء ليحارب في بقعة مجدو. وأصاب الرماة الملك يوشيا فقال لعبيده: انقلوني لأني جرحت جدا. فنقله عبيده وساروا به إلى أورشليم فمات هناك» (أخبار الأيام الثاني، 35: 20-24). أما عن هزيمة نخو في كركميش فنقرأ عنها في مكان آخر هو سفر إرميا: «كلمة الرب التي صارت إلى إرميا النبي عن الأمم، عن مصر عن جيش فرعون نخو ملك مصر الذي كان على نهر الفرات في كركميش، الذي ضربه نبوخذ راصر (= نبوخذ نصر) ملك بابل في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا» (إرميا، 46: 1-2). لا يذكر الخبر التوراتي هنا أية دوافع حدت بيوشيا إلى التصدي لحملة نخو في مجدو. ولكن الأرجح أن ملك يهوذا - الذي لم يكن يعرف الكثير عن مخططات بابل المقبلة، وعن رغبتها ومقدرتها على ملء الفراغ الآشوري في منطقته - اعتقد أن هزيمته لنخو ملك مصر سوف تفتح أمامه الباب واسعا من أجل ملء الفراغ الآشوري بنفسه والسيطرة على المنطقة.
إن اكتفاء محرري التوراة بهذه الأخبار القليلة والمبعثرة عن تلك الفترة الحافلة في تاريخ المنطقة، والتي تزامنت مع الأحداث الأخيرة التي أدت إلى دمار أورشليم وزوال يهوذا، وعزوفهم عن تقديم صورة ولو باهتة وعديمة التفاصيل عما كان يجري في ذلك الوقت؛ لا يمكن تفسيره فقط بجهلهم وعدم توفر المعلومات بين أيديهم؛ لأن بعضهم قد سمع بهذه الأخبار ممن عاصرها وشهدها، ولم يكن بحاجة إلى مصادر خارجية، بل يجب تفسيره أيضا من خلال أهداف ودوافع المحرر التوراتي، الذي كان التاريخ آخر هم من همومه، ولا يرى من قوانين وحركة هذا التاريخ إلا تطورا لجدلية العلاقة بين الشعب وربه، ولا يأبه لأي حدث لا يتقاطع مع هذه الجدلية.
অজানা পৃষ্ঠা