আরাম দিমাশ্ক ও ইসরাইল
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
জনগুলি
ولقد طور كاتب هذه السطور من جهته، وبشكل مستقل، منذ مطلع الثمانينيات نظرية في أصول إسرائيل قريبة من نظرية ميندنهل وغوتوالد، وتختلف عنها في أنها أسقطت عنصر الثورة الداخلية، وركزت على التمايز الديني عن الوسط الكنعاني، وما تبعه من تمايز اجتماعي وثقافي أدى في النهاية إلى ما يشبه التغاير الإثني، الذي كرسه فيما بعد كهنة يهوذا خلال السبي البابلي وما تلاه. وقد عرضت أفكاري هذه في عدد من المحاضرات التي ألقيتها في منتديات ثقافية سورية، وفي بحث مطول نشر في مجلة الفكر الديمقراطي الصادر في قبرص. ويعبر المقطع التالي، الذي أقتطفه للقارئ من آخر هذا البحث، عن الخطوط العامة للنظرية التي عملت على تعديلها فيما بعد: «لقد أوصلتنا دراسة المخلفات المادية للثقافة الإسرائيلية إلى القول بأن أرض فلسطين لم تعرف شعبا متميزا اسمه الشعب الإسرائيلي، ولا ثقافة خاصة يمكن تعريفها بالثقافة الإسرائيلية. فكل ما كشف عنه علم الآثار يشير إلى ثقافة سورية كنعانية في تطورها الذاتي الطبيعي. ثم جاءت دراستنا للتراث اللغوي والأدبي والديني للثقافة الإسرائيلية لتدعم نتائجنا المبدئية. فاللغة التي نطق بها الإسرائيليون وكتبوا بحرفها هي لغة كنعانية، وآدابهم هي آداب كنعانية، ومعتقدهم التوراتي الذي وجدوا فيه مصدر تميزهم قد نشأ وتطور نتيجة لجدليات المؤسسة الدينية الكنعانية. ولا ينجم عن ذلك كله إلا القول بأن الشعب الذي أنتج ما يدعى بالثقافة الإسرائيلية هو فئة كنعانية لم تغادر فلسطين قط، وربما استوعبت إليها فئة ضئيلة من النازحين من مصر. وعندما بدأ كهنة يهوه في المنفى بتحرير أسفار التوراة، في فترة انحلال المجتمع الإسرائيلي وتألب القوى الكبرى عليه، كتبوا تاريخ بني إسرائيل من وجهة نظرهم، فجعلوا منهم فئة متميزة منذ البداية، سعيا وراء ترسيخ الشكل الأخير للدين اليهودي، الذي صار مصدر تماسكهم وأملهم في الوقوف في وجه الفناء. لقد ميز كهنة يهوه، أخيرا، أنفسهم ومن صار معهم، عن كنعان تمييزا مطلقا، وجعلوا من الفارق الديني الذي يفصلهم عن بقية الكنعانيين فارقا في كل شيء.»
7
وفي الحقيقة، فإن نظرية الانتفاضة الداخلية ، بشقيها الديني والطبقي، تبقى نظرية قائمة على تجريديات ذهنية لا أساس لها في الواقع الاجتماعي والسياسي لفلسطين في عصر الحديد. فإضافة إلى أن معلوماتنا التاريخية لا تؤيد وقوع مثل هذه الانتفاضة في أي وقت فيما بين 1200-1000ق.م. فإن الشواهد الآثارية تؤكد أن المناطق الهضبية في فلسطين، والتي يفترض ميندنهل أن أتباع عبادة يهوه قد لجئوا إليها في مطلع عصر الحديد، كانت خالية من السكان تقريبا كما أوضحنا سابقا. يضاف إلى ذلك أن مفهوم دولة المدينة في فلسطين باعتبارها قوة كبرى، ذات بلاط واسع وملك مستبد، حوله حاشية وأمراء ونبلاء، وإدارة بيروقراطية، وجيش عرمرم؛ هو مفهوم مغلوط فيه فيما يتعلق بفلسطين، ويعتمد على سوء فهم لرسائل تل العمارنة من جهة، وعلى مقارنة دويلات فلسطين عصر العمارنة بدويلات فلسطين في عصر الحديد. فالمدن الفلسطينية كانت في واقعها أشبه بالقرى الصغيرة المسورة مقارنة بمثيلاتها في سوريا، ولم يكن أكبر هذه المدن يضم داخل أسواره أكثر من بضعة آلاف لا تتجاوز الخمسة في أفضل الأحوال. ورغم ذلك فقد كان وضع هذه المدن في عصر الحديد الأول أسوأ بكثير من وضعها في عصر تل العمارنة، وذلك بسبب تناقص السكان الناجم عن الاقتلاع السكاني العام، الذي ميز فترة الانتقال بين البرونز الأخير والحديد الأول.
8
من هنا، فإن صورة الملك الكنعاني في دولة المدينة الفلسطينية، الذي يتحكم مع طبقة النبلاء بثروة البلاد، ويمارس الظلم والاضطهاد على شرائح الفلاحين المحرومة، هي صورة لا تتوافق مع واقع حال المنطقة وظروفها التاريخية.
أما عن العنصر الروحي، الذي كان السبب في نشوء إسرائيل وتميزها عن الوسط الكنعاني، مما تقول به نظرية ميندنهل ونظرية كاتب هذه السطور، كل على طريقته (يرى ميندنهل بأن الشرائح المضطهدة قد تحولت إلى ديانة يهوه التي جاءت إلى فلسطين ناجزة من الخارج، بينما يرى كاتب هذه السطور في نظريته السابقة بأن ديانة يهوه التوراتية لم تأت ناجزة من الخارج، بل تطورت داخل المؤسسة الدينية الكنعانية)، فإن المسح الأركيولوجي للمراكز السكنية في فلسطين جميعها من أكبر المدن إلى أصغر القرى، لم يجد أثرا للمعتقدات والشعائر التوراتية خلال كامل الفترة السابقة على السبي البابلي ليهوذا، فلا هياكل للإله يهوه التوراتي ولا معابد ولا مذابح، ولا نقوش تذكره بالطريقة التي تقدمه بها الأسفار التوراتية. لقد كان هناك في فلسطين إله اسمه يهوه، ولكنه غير يهوه إله التوراة؛ لأنه يظهر في النقوش القليلة التي ذكرته إلى جانب بقية الآلهة الكنعانية، مثل إيل وبعل، وتذكر إلى جانبه زوجته المدعوة عشيرة، والتي كانت في النصوص الكنعانية الأوغاريتية زوجة الإله إيل. ففي موقع عجرود جنوب فلسطين اكتشف المنقبون عام 1975 عددا من النقوش الكتابية على الفخار تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، يرد فيها اسم الإله يهوه بين عدد من الآلهة الكنعانية الأخرى، مثل إيل وبعل وعشيرة. نقرأ في أحد هذه النقوش ما يلي: «فليباركك الإله يهوه وعشيرته (زوجته عشيرة)، ليباركك يهوه ويحفظك ويبق إلى جانبك.» وفي نقش على الفخار من السامرة نجد أن الإله يهوه يلقب بالعجل، وذلك على طريقة آلهة أوغاريت. كما اكتشف في موقع السامرة حديثا مقام ديني يحتوي على تمثال برونزي للعجل المقدس، الذي يرمز هنا على الأغلب للإله الكنعاني يهوه.
9
وفي مكان لا يبعد كثيرا عن جدار هيكل سليمان المفترض، عثرت المنقبة كاثلين كينيون على مقام ديني كنعاني في أورشليم يرجع بتاريخه إلى الهزيع الأخير من حياة أورشليم قبل الدمار البابلي، يتصدر الحرم الرئيسي فيه نصب المازيبوت المعروف في بقية المعابد الكنعانية، وهو عبارة عن عمودين حجريين يرمزان إلى ألوهة الخصب. كما عثرت المنقبة في مستودع تابع لهذا المعبد على عدد كبير من الدمى العشتارية تمثل إلهة الخصب الكنعانية في وضعيتها التقليدية المعروفة، التي تظهر الإلهة ممسكة بنهديها.
10
وفي بقية مواقع المدن الفلسطينية تم العثور في المستويات العائدة لعصر الحديد الثاني على كثير من الدمى العشتارية في أوضاع مختلفة، وخصوصا في موقع بيت شميش، حيث تظهر الإلهة هنا في هيئة الحامل، مع التركيز على البطن الكبير المنتفخ.
অজানা পৃষ্ঠা