দর্শনের দৃষ্টিতে সমসাময়িক সংকট
آراء فلسفية في أزمة العصر
জনগুলি
وإذا كان الفرد المنعزل يتشبث بشيء خارج عنه، فقد يظفر بالطمأنينة، غير أنه يظفر بها على حساب كرامته كفرد. وقد ننبذ حرية البحث ونعصب أعيننا عن مواصلة البحث برباط مذهب حاسم من المذاهب؛ وبهذه الطريقة قد نتخلص من إصدار القرارات أو تحمل المسئولية عن المستقبل. بيد أنا نحس في أعماق نفوسنا بالقلق والاضطراب؛ لأن ظهور الذات الفردية لا يمكن أن يوءد. إن السعادة في الحرية ، والحرية في عظمة الروح.
وقد يقال إن التقدم العلمي سيقضي على الشعور بالعزلة التي ننظر بها إلى العالم الخارجي، وسوف ينهي عجز الإنسان عن أن يحدد مصيره بنفسه.
وقد نسلم بأنا نستطيع أن نتنبأ بمجرى الظواهر الطبيعية، بل ونستطيع إلى حد ما أن نتحكم فيها، ولكن الطبيعة لا يمكن أن تروض على تنفيذ إرادة الإنسان، وسوف تستمر أهواؤها العمياء وعواصفها وزوابعها وأعاصيرها وزلازلها في تحطيم عمله وتدمير أحلامه. ولا يستطيع الإنسان أن يغير من حدود حياته أو جسمه. «أيها الغافل! إنك في حاجة إلى روحك هذا المساء!»
إن ازدياد المعرفة بالعلم دون أن يقابله نمو في الحكمة الدينية إنما يزيد من مخاوفنا من الموت، وثقافتنا العلمية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. لقد سيطرنا على قوى الطبيعة وتحكمنا في البحار وغزونا الفضاء، ولقد زدنا من الإنتاج، وحاربنا المرض، ونظمنا التجارة، وجعلنا الإنسان سيدا على بيئته، ولكن سيد الأرض لا يستطيع برغم هذا أن يعيش مطمئنا؛ فهو يختبئ في باطن الأرض تارة، ويلبس الأقنعة يتقي بها الغازات تارة أخرى. إن مخاوف الحروب تطارده، فهو يعيش في حالة من الشك دائمة. ولا يمكن أن تكون هذه الحضارة المهددة بالحرب، والمندفعة بقوة الآلة، هي آخر ما يصل إليه الإنسان من كفاحه، وما لم نكن بلهاء مكفوفين أو ضعاف العقول راضين عن أنفسنا، فسوف نعرف أن التنظيم العلمي لا يفي بما تتطلبه روح الإنسان. ⋆ (1-5) إخاء في الدين لا اندماج
لا بد لنا أن نسير على طريق يتجاوز كل ما اضطرب به التاريخ الماضي من فوارق، ولا بد للبشر جميعا في نهاية الأمر أن يسلكوا طريقا واحدا؛ فكثيرا ما كان الاعتقاد في دعاوى معينة دون غيرها واحتكار الحق الديني لطائفة دون سواها مصدرا من مصادر الكبرياء والتعصب والشحناء. وموقفنا إزاء الديانات الأخرى يجب أن يتميز بروح تلك العبارة العظيمة التي وردت في إحدى مسرحيات سوفوكليز، على لسان أنتيجون، حيث يقول: «إنني لم أولد لكي أشارك الناس بغضاءهم، وإنما ولدت لكي أشاركهم المحبة.» ⋆
إن العالم لا يسعى إلى اندماج الأديان بمقدار ما يسعى إلى المؤاخاة بينها، تلك المؤاخاة التي تقوم على أساس الصفة الأساسية في تجربة الإنسان الدينية. يقول وليم بليك: «كما أن الناس جميعا متشابهون (برغم تعدد الأفراد تعددا لا حصر له) فكذلك جميع الديانات، ككل المتشابهات، تنبع من مصدر واحد.» تستطيع الديانات المختلفة أن تحتفظ بشخصياتها وبتعاليمها الخاصة وطقوسها المميزة، ما دامت لا تضعف الإحساس بالإخاء الروحاني. إن ضياء الأبدية يعشي أبصارنا إذا سطع في وجوهنا بكل قوته، وهو يتحلل إلى ألوان حتى تستطيع أعيننا أن تدرك شيئا منه . وكذلك التقاليد الدينية المختلفة تشكل الحقيقة الواحدة في صور مختلفة، ويمكن لهذه الصور أن تتقابل وتخصب كل منها الأخرى، فتكسب الجنس البشري الكمال المتعدد الجوانب، من إشعاع الهندوكية الروحاني، إلى طاعة اليهودية المخلصة، إلى حياة الجمال في الوثنية الإغريقية، إلى سمو الرأفة في البوذية، إلى صورة المحبة المقدسة في المسيحية، إلى روح الاستسلام لإله المسلمين جل جلاله؛ كل ذلك يمثل أوجها مختلفة من الحياة الروحانية الباطنية، وهي صورة ذهنية بارزة لتجارب الروح البشرية التي يعجز عن وصفها اللسان.
وإذا كان الدين هو إدراك طبيعتنا الحقيقية في الله، فهو إذن يعمل على اتحاد جميع البشر على أساس الاتحاد بالأبدية، وهو يرى في كل ديانة أخرى نفس الحاجة العالمية الكبرى ذاتها التي أحسها في نفسه. إن الديانات المختلفة تستمد مصدرها من طموح الإنسان نحو عالم لا يرى، بالرغم من أن الصور التي يتخذها هذا الطموح تتشكل بعوامل البيئة والجو الفكري. ووحدة الديانات تلتمس في ذلك الجانب المقدس أو العالمي في كل منها، ولا تلتمس في ذلك الجانب الموقوت أو الموضعي فيها. وحيثما كان هناك روح الحق فهناك اتحاد. وهناك في مجال الدين - كما أن هناك في المجالات الأخرى - متسع للتنوع دون حاجة إلى التنافر؛ فإذا ادعى داع أن تقليدا دينيا واحدا هو الذي يتميز دون غيره بالحق ويكشف عن وجود الإله الحق، كان في دعواه تناقض مع الاعتقاد في إله حي يخاطب الناس بأقدار متنوعة وبطرق مختلفة. وقد ذكر أفلاطون أن الله بالضرورة متصل بذاته يتصف بالخير الذي لا يشوبه حقد. ليست هناك عقيدة واحدة لا تتغير يتلقاها القديسون. إن الوحي إلهي إنساني. وكما أن الله لا يكشف عن وجوده للحجر أو للنبات، وإنما يكشف عنه للإنسان وحده، فإن صورته تتشكل بقدرة العقل البشري على التفكير. إن روح الخالق مستعدة دائما أن تكشف عن نفسها لروح الإنسان الباحث، بشرط أن يكون البحث صادقا والجهد عسيرا. وليست الكلمة العليا للكشف عن الله في كتاب لا يخطئ أو كنيسة لا تخطئ، وإنما هي في شهود النور الخفي. وما نحن بحاجة إليه ليس الخضوع إلى سلطة خارجية، وإنما هو استنارة باطنية تختبر صحتها - بطبيعة الحال - بالتقليد أو بالمنطق. وإذا نحن تدبرنا الأمر مليا رأينا وحدة التطلع الروحي والجهد الروحي التي تكمن تحت الطرق العليا المتنوعة التي تنم عنها العقائد العالمية المختلفة. إن تنوع الصيغ التقليدية يميل إلى التناقض كلما صعدنا درجات السلم المؤدي إلى الكمال الروحاني، وكل طرق الصعود تؤدي إلى قمة الجبل. وهذا الميل إلى التلاقي وتلك الدرجة الكبيرة من الاتفاق في نظر أولئك الذين يبلغون قمة الجبل لأقوى دليل على حقيقة الدين. ⋆ (1-6) دين عالمي
شريعة الدين تحتم على المرء أن يغير ما بنفسه حتى يجعل الجانب المقدس فيه غلابا. الدين يدعو إلى القضاء على الإنسان كما نعرفه بكل ما لديه من رغبات دنيوية، وإلى ظهور الإنسان الجديد. وليست هذه هي تعاليم الأوبانشاد والبوذية فحسب، بل هي كذلك مما تدعو إليه الألغاز الإغريقية والأفلاطونية وتعاليم الكتب السماوية ومذاهب اللاأدرية. وهذه هي الحكمة التي يشير إليها أفلوطين حينما يقول: «ليس هذا المذهب جديدا، بل لقد عبر عنه الإنسان منذ أقدم العصور، وإن لم يستطع أن ينميه بصورة واضحة. ولا نريد إلا أن نكون شارحين للحكماء القدامى، وأن نبين ببرهان من عند أفلاطون نفسه أنهم كانوا يعتنقون آراء كآرائنا.» هذا هو الدين الذي يذكره أوغسطين في عبارته المشهورة: «إن ما نسميه الدين المسيحي كان موجودا بين القدامى، ولم يعدم وجوده قط، من بداية الجنس البشري حتى جاء المسيح في لحم ودم، وهذا هو الوقت الذي بدأ فيه الدين الحق - الذي كان موجودا من قبل - أن يسمى المسيحية.» إن هذه الحقيقة تطالعنا في لهجات مختلفة عبر القارات وعبر قرون التاريخ. وأولئك الذين يتجاهلون هذه الحكمة الأبدية، ذلك الدين الأبدي الذي يكمن وراء جميع الأديان، وتلك العقيدة الأزلية، الحكمة التي لم يبتدعها أحد، والتي هي اليوم كما كانت في كل وقت مضى، وكما سوف تكون في كل وقت آت، أولئك الذين يتجاهلون هذا ويتشبثون بالأشكال الخارجية، ويختلفون فيما بينهم مسئولون عن المدنية الفوضوية التي نعيش فيها. ومن واجبنا أن نعود إلى هذا اللباب من الدين، إلى هذه الحكمة الأساسية التي طمستها وشوهتها التطورات العقائدية والدنيوية خلال التاريخ.
إننا في أبداننا وعقولنا، وفي قاماتنا وأمزجتنا، ومواهبنا وأذواقنا، نختلف كل الاختلاف أحدنا عن الآخر، ولكنا في أعمق أعماقنا، في أرواحنا التي هي الأساس الصحيح لوجودنا، يتشابه أحدنا مع الآخر. وإذا أردنا للدين أن يكون قوة فعالة في شئون البشر، وأن يؤدي دور الأساس في نظام العالم الجديد، فلا بد له من أن يكون أكثر باطنية وأكثر عالمية، شعلة تطهر دخائل نفوسنا فتطهر بذلك العالم. ولمثل هذا الدين لا تكون التعابير التاريخية عن الحق الروحاني والمصطلحات النفسية التي تلجأ إليها الأديان ليحملوها الحق العالمي، لا تكون هذه الأمور صخورا مؤذية في الطريق. وهكذا تنهار الحواجز التي تفصل بين الناس وتعود الوحدة بين البشر والاتحاد بين جميع الأفراد، وهي وحدة نسير فيها جميعا سيرا خلاقا، ويأخذ كل منا فيها بنصيب؛ عندئذ يتحقق دعاء سنت جون الذي نادت به في ختام مسرحية برناردشو التي تحمل هذا الاسم، وهو: «يا إلهي، يا من خلقت هذه الدنيا الجميلة، متى تستطيع هذه الدنيا أن تفتح صدرها للقديسين الذين يتبعونك؟» وعندما يجيء الوقت الذي يقطن في هذه الدنيا عنصر من الناس، ليس في تكوينه نقص، ولا على عقله مأخذ، متحرر من نير المرض والحرمان، وكذلك من الكلمات الكاذبة، ومن المحبة التي انقلبت إلى عداوة. وعندما تبلغ الكائنات البشرية كمالها، وتبلغ ذلك العالم الذي لا يرى، مملكة السماء، حينئذ تبدي هذه الكائنات البشرية في العالم الخارجي تلك «المملكة» التي يبطنون في أنفسهم. وفي هذا اليوم الموعود نكف عن تعريف الله في عقائد جامدة، كما نكف عن الجدل في طبيعته ونترك كل امرئ يعبد الله في قلبه، ويبحث عنه حتى يلتقي به.
إنني لم أنجذب قط للرحلة من أجل الرحلة، ولكني قمت بكثير من الرحلات، وعشت في أماكن بعيدة عن أرض الوطن، في إنجلترا وفرنسا وأمريكا وروسيا، وقضيت فترات طويلة لبضع سنوات في إنجلترا، وأثرت في نفسي تأثيرا حسنا صفات الشعب الإنجليزي، كمحبتهم للعدل، وبغضهم للتعصب العقائدي، وعطفهم على الحيوان. وقد كانت «كلية جميع الأرواح» وطنا ثانيا طوال هذه السنين، وزودتني ببصر نافذ في الحياة الثقافية الإنجليزية بما فيها من حرص واستقرار وثقة ومغامرة. ومهما يكن ما يحسه المرء إزاء لون الحكومة الروسية، فإن الشعب هناك رقيق رحيم، وحياتهم - كحياة الناس في كل مكان - مليئة بالفكاهة والغيرة، والحب والبغضاء. وبالرغم من أني لم أستطع أن أمد جذوري في أي من هذه البلدان الأجنبية، إلا أني التقيت بالكثيرين، من علية القوم وسفلتهم، واستطعت أن أصل إلى الجانب الإنساني في نفوسهم؛ إذ ليست هناك فروق أساسية بين شعوب العالم، فلديهم جميعا المشاعر الإنسانية العميقة، وحب العدالة التي تسمو على مصالح جميع الطبقات، والفزع من إراقة الدماء ومن العنف. إنهم يسعون نحو دين يدعو إلى إمكان وضرورة اتحاد الإنسان بنفسه، وبالطبيعة، وبزملائه، وبالروح الأبدي، الذي ليس العالم المرئي إلا صورة منه، دين يعتقد في ظهور الوعي الكامل كغاية للإنسان ومصير له. إن دياناتنا التاريخية لا بد أن تتحول إلى إيمان عالمي أو تذوي وتنقرض. وقد يبدو هذا الأمل عند بعض الناس عجيبا ولا يرحبون به، ولكنه أمل له صدقه وله جماله، وهو يعتمل في عقول الناس، وسرعان ما يمسي حقيقة واقعة. إن وحدة البشر لا تتوقف على الأصول القديمة، بل على هدف المستقبل واتجاهه على ما نحن سائرون إليه، وعلى الصوب الذي نوليه وجوهنا. ولقد كانت الحضارات القديمة محدودة في مصادرها وآفاقها إذا هي قورنت بالحضارة التي تنتشر الآن فوق سطح الأرض بفضل العلم وتطبيقه. ويزعم العلماء أن الحياة العضوية ظهرت فوق هذا الكوكب منذ نحو 1200 مليون عام، ولكن الإنسان ظهر إلى الوجود فوق الأرض خلال نصف المليون عام الذي سبق، ولم تظهر حضارته هنا إلا في العشرة الآلاف عام الماضية. إن الإنسان لا يزال في طفولته، وأمامه فوق هذا الكوكب أمد طويل، إنه سوف يعمل على تحقيق وحدة أسمى، وسوف ينجب رجالا ونساء ذوي عقول عالمية.
অজানা পৃষ্ঠা