দর্শনের দৃষ্টিতে সমসাময়িক সংকট
آراء فلسفية في أزمة العصر
জনগুলি
ولقد أدى بنا تحرير الثقافة إلى الظن بأن الفكرة المسيحية التي تقول بميل الناس جميعا نحو الإثم إنما هي فكرة عتيقة انقضى عهدها وفات، وأحللنا مكانها فكرة حب الذات حبا بريئا لا ضرر منه؛ إما بسبب اهتمام الفرد بمصلحته مع مراعاة الحكمة والاعتدال، وإما بسبب توازن القوى الاجتماعية جميعا، توازنا يحول حب الذات عند الناس أجمعين إلى انسجام اجتماعي أسمى. غير أن بطلان هذه الفكرة قد ثبت بازدياد المفارقة المستمرة في التناسب بين القوى في مجتمعنا، كما ثبت أيضا باطراد التدهور بين الناس في مجتمع قوامه الوسائل التكنولوجية. وأدى بنا تحرير الثقافة أيضا إلى الظن بأن الخلاص يكون عن طريق النمو والتطور؛ فالناس - كما يقال - لا يعانون من الإثم بمقدار ما يعانون من العجز. غير أن سير التاريخ كله - لحسن الحظ - كان في حد ذاته مخلصا للإنسان؛ فقد حول الإنسان من حالة العجز إلى حالة القدرة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الحالة التي يكون فيها فريسة لحكم التاريخ إلى الحالة التي يكون فيها سيدا له. غير أن وهم هذه الفكرة لا يقل مأساة عن وهم الفكرة الأولى. وما دامت خطيئة الإنسان ترجع إلى فساد إرادته ولا ترجع إلى ضعفه، فإن احتمالات الشر تنمو مع اطراد الزيادة في حريته وقدرته، التي كان مفروضا أن تعمل على تحريره.
وهذه الأوهام الواضحة في العالم الحر عجلت بثورة ماركسية ضد الثقافة الحرة بأسرها، فنادت بالإيمان بنوع جديد من انسجام المجتمع عن طريق التحطيم الثوري للملكية، ليحل محل الإيمان بالتناسق البسيط بين القوى الاجتماعية جميعا؛ وبذلك رأت أن النظام الاجتماعي هو أساس الشر عند الإنسان، وبشرت بخلاصه عن طريق تحطيم هذا النظام، وبشرت بالخلاص عن طريق القضاء على النظام القديم وظهور نظام جديد، بدلا من فكرة الخلاص عن طريق النمو والتقدم الذي لا يقف عند حد. ولم يكن معنى ذلك الموت المستمر للنفس الذي ورد في الكتاب المقدس، إنما كان تبشيرا بحياة جديدة لنا نحياها بإماتة أعدائنا.
وقد ازدادت مأساة هذا العصر فجيعة لسببين؛ أولهما أن هذا الرأي الجديد الذي نستبدله بالحرية الدنيوية قد دل من وجوه كثيرة على أنه أكثر وهما وأشد خطأ، وثانيهما أن هاتين الصورتين من الخطأ قد أوقعتا العالم في حرب أهلية مريرة تحطم المجتمع قوميا كان أو دوليا.
وهذا الاتجاه الجديد أثبت أنه أشد خطأ؛ لأن دعاة هذا الدين الجديد تحولوا إلى ملوك مقدسين مستبدين، فقدوا كل إحساس بصفة الترابط بين كل المصالح والأفكار البشرية، فأشاعوا في العالم طرا تعصبهم الذميم لصواب تفكيرهم دون سواهم. وقد أثبت هذا الاتجاه الجديد أنه كذلك أشد خطأ؛ لأن مذهب اشتراكية الملكية حينما يتحول إلى مذهب خلاص ديني، بدلا من اكتفائه بأن يكون حلا عمليا، إنما يجمع بين القوى الاقتصادية والسياسية في أيد أوليجاركية واحدة واحدة؛ مما يؤدي إلى الظلم والتعسف. وهذا الشر الواضح وهذا الاستبداد في الرأي قد أعطى لمؤيدي النظام القديم حجة قوية، لا لكي يتوبوا عن خطاياهم، بل ليكتفوا بتوجيه الانتباه إلى أخطار الرأي الجديد.
وربما كان قلة الصدق وكثرة الخطأ في هذين الرأيين الدنيويين اللذين استعضنا بهما عن العقيدة المسيحية هما اللتين أدتا إلى إقحام العالم في حرب أهلية لا رجاء فيها، حرب يرى كل فريق فيها أن لديه من الحق ما يكفي للتمسك برأيه في سمو رسالته، كما أن لديه من الخطأ ما يفزع به الفريق الآخر بالنتائج التي يحتملها انتصاره.
1 (1-2) آثام الكنيسة
وليس من شك في أنه من واجبنا أن نشهد ضد هذين اللونين من الوهم الدنيوي من وجهة نظر الحق الذي لا نراه من تلقاء أنفسنا، إنما نستمده من الكتاب المقدس، وبهذه الشهادة يكون موقفنا الراهن دعامة قوية للحق الذي جاء في الكتاب المقدس. وينبغي لنا أن نبشر بالكتاب المقدس في الوقت الذي يتردى فيه الإنسان الحديث - الذي كان على ثقة شديدة أنه يستطيع أن يسيطر على مصيره - في مصير تاريخي، يبدو فيه أن إرادة الإنسان قد أمست عاجزة كل العجز فاقدة لكل رجاء. إن ما يباهي به كل فريق من فضائل ليس إلا شرورا من وجهة نظر الفريق الآخر، وآثاما في نظر الإله. وإن هذه العبارة التي جاءت على لسان صاحب المزامير تنطبق على موقفنا تمام الانطباق: «لقد ثار الكفار وتصور الناس أمورا باطلة، ولكن ذلك الذي يستوي على عرش السماء سوف يسخر منهم ويضحك.»
ولكن دعنا لا نزعم أننا نسخر مع الله. إن ضحكة الله الساخرة هي حكم إلهي له ما يسوغه على هذه الكبرياء التي استجدت بالنسبة إلى الإنسان الحديث، والتي هي مع ذلك موجودة من قديم الزمان. يجب ألا نضحك خشية أن ننسى أن حكم الله هو علينا كما هو عليهم؛ فنحن مشتركون اشتراكا قويا في كارثة عصرنا هذا، اشتراكا لا يسمح لنا بأكثر من شهادة مؤقتة ضد ما يسمى المجتمع العلماني. ويرجع ظهور هذا المجتمع - في صورتيه الحرة والماركسية - في الوجود، إلى حد ما، إلى اشتراك المسيحية اشتراكا شديدا في الآثام الاجتماعية لهذا العصر وفي الظلم الاجتماعي الذي لا يلين. وهذا العرض الموجز لآثام الكنيسة يبين المدى البعيد لمقدار اشتراكنا فيها: (1)
ليس هناك شر اجتماعي، وليست هناك صورة من الظلم - سواء من النوع الإقطاعي أو من النوع الاجتماعي - لم تؤيد بشكل ما بالشعور الديني؛ ومن ثم أصبحت أشد صلابة ضد التغير. وإن ما قاله ماركس في هذا الصدد صادق إلى حد ما، وهو «أن بداية كل نقد هي نقد الدين؛ لأن ادعاءات الناس تبلغ أضل صورة لها عند هذا المستوى النهائي، والإثم النهائي يرتكب دائما باسم الدين.» (2)
أعلن جانب من الكنيسة - خشية الاشتباك في متاهات السياسة - أن مشكلات السياسة لا تمت إلى الحياة المسيحية بصلة؛ فترك الإنسان الحديث في حيرة المجتمع الحديث، كما رأى الإخاء يتحطم في المجتمع التقني دونما تأنيب من الضمير، بل إن هذا الحياد كثيرا ما لا يلتزم بنزاهة وإخلاص. والكنيسة المحايدة حليف في العادة للقوة الاجتماعية القائمة. (3)
অজানা পৃষ্ঠা